اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 603
تميل بالغضب الذي يفسد على الإنسان وجهته، ويحول بينه وبين الرشاد؛ ولذا كان من أهم صفات عباد الرحمن أنهم {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [1].
إن سيطرة العقل الهادئ يجعل الإنسان واقعيا في الموقف فيبدي الحجة، ويظهر الرأي، ويصل بالإقناع إلى ما يريد.
ومن هذه القوة إعلان الرأي في ثبات لا يعرف التغيير أو التلون؛ بسبب محاباة أو تحامل؛ لأن هدفه نشر دعوته الحقة المؤيدة بالدليل، وهي محفوظة لا تتغير، ولكنها تغير وتصلح وتعلي، فإظهارها على وجهتها وبشكل مرن هو المطلوب، مهما كان الحال أو الموقف أو القوم، ولا عليه ما دام يتجرد في هدفه ويبعد عن الدعوة أي أثر شخصي محتمل، وللداعية أسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد أعلن كلمة الله وهو وحده وسط قوم كافرين بها ومعارضين لها، ومع ذلك لم يبال بأعمالهم، لجئوا للتهديد والوعيد، فرد عليهم قائلا لعمه: "لن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه" [2]، ولجئوا إلى محاولة إغرائه فكان ينتهز فرصة قربهم منه ويدعوهم إلى الله، وقاطعوه وقومه فذهب إلى غيرهم من القبائل يدعوهم، ولم يحدث أن غير الدعوة مع تغير الظروف واختلافها، بل كان العذاب الشديد يلحق به وببعض المسلمين، ومع ذلك كان يحث عل الصبر وينتظر الأمل، ويواصل دعوته؛ لأنها الحق، ولا بد أن تعلن.
يقول الزمخشري في تفسيره: "إن المعنى: إن تجتهدوا في إقامة العدل حتى لا تجوروا، وتقيموا شهادتكم لوجه الله تعالى كما أمرتم بإقامتها، ولو كانت الشهادة على أنفسكم، أو آبائكم، أو أقاربكم، ولا تمنع الشهادة بسبب فقر أو غنى"[3].
وعلى الجملة، فإن الداعية إذا جمع الصفات السابقة فإنه يكون قد وضع نفسه في [1] سورة الفرقان الآية 63. [2] سيرة النبي ج1 ص278. [3] تفسير الكشاف ج1 ص570.
اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 603