اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 516
يوم نزل القرآن، وأنها لا تزال إلى يوم الناس هذا أسمى ما يمكن أن يستخدم، في هذا الموضع التشريعي الصريح.
وتأتي الفاصلة في القرآن مستقرة في قرارها، مطمئنة في موضعها، غير نافرة ولا قلقة، يتعلق معناها بمعنى الآية كلها تعلقا تاما؛ بحيث لو طرحت لاختل المعنى واضطرب الفهم، فهي تؤدي في مكانها جزءا من معنى الآية، ينقص ويختل بنقصانها.
وقد يشتد تمكن الفاصلة في مكانها، حتى لتوحي الآيات بها قبل نطقها، كما رُوي عن زيد بن ثابت أنه قال: أملى عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} ، وهنا قال معاذ بن جبل: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له معاذ: ممَّ ضحكت يا رسول الله؟ قال: "بها ختمت" [1].
وحتى ليأبى قبولها، والاطمئنان إليها، من له ذوق سليم، إذا غيرت وأبدل بها سواها، كما حكي أن أعرابيا سمع قارئا يقرأ: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ} ، ولم يكن يقرأ القرآن وختم بأن الله غفور رحيم، فقال الأعرابي: إن كان هذا كلام الله فلا، الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل؛ لأنه إغراء عليه[2]، والآية إنما ختمت بقوله تعالى: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
وخذ الآيات التي تنتهي بوصفه تعالى بالعلم، أو بالقدرة، أو بالحلم، أو [1] الإتقان ج1 ص104. [2] المرجع السابق ج1 ص101.
اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 516