اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 457
د- إسلام الأرقم نفسه كان سرا على قبيلته، وعلى غيرهم، ولا يمكن تصور بيته حينئذ مكانا لاجتماع المسلمين؛ لأن صاحبه لم يدخل في الإسلام في نظرهم.
والحكمة في بدء الدعوة بالاستخفاء عديدة، منها:
1- التريث ريثما تتكون لبنات قوية المزج، شديدة التماسك، في جو بعيد عن إثارة المعوقات في طريق سير الدعوة؛ لأن هذه اللبنات هي القوة الدافعة التي سيعتمد عليها بناء المجتمع الإيماني الجديد، في مواجهة قوى الظلم والبغي المتربصة بهذا الدين، في صبر لا يعرف الوهن، وجهاد لا يعرف اليأس.
2- ضرورة المسالمة في البداية؛ لأن مهاجمة هذا المجتمع الغارق في شروره ومواجهته بضلاله، وساق الدعوة لم يستوِ بعد، يؤذن بتحريك دوافع المقاومة للدعوة في نفوس المستكبرين، والدعوة لا تزال في أول خطواتها، فتتعثر في سيرها، وهي لا تزال وليدة طرية.
لذلك آثر النبي صلى الله عليه وسلم الاستسرار بدعوته، وتبليغ رسالته؛ حرصا منه أن يكون سيرها مطردا، وئيدا، هادئا، تسير إلى القلوب بخطا ثابتة، حتى تتمكن من الإعلان عن نفسها في الوقت المناسب[1]، بعد أن يؤمن بها عدد من الناس يضحون في سبيلها بالغالي والنفيس، مما يضمن استمرارها وبقاءها.
3- إتاحة الفرصة للدعوة حتى تصل إلى مسامع العرب في مواسمهم ومحافلهم وأسواقهم ومضارب منازلهم، فأتت هذه الخطوة أكلها؛ حيث أقبل إلى مكة فريق منهم، يتحسس أخبارها، ويتعرف مكانها في خفية وحذر، حتى إذا بلغوا مأمنها في مقرها "دار الأرقم" أسلموا لله تعالى، واتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم، واهتدوا بهديه، وآمنوا بما جاء به من الحق[2]. [1] محمد صادق عرجون، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ج1 ص605. [2] منهج النبي صلى الله عليه وسلم ص149.
اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 457