اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 334
ويروي مسلم حديثا يشير كذلك إلى أن أول المدثر نزل أولا، فلقد روى بسنده عن أبي سلمة قال: أخبرني جابر بن عبد الله، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي، فقال في حديثه: "فبينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسي قبل السماء، فإذا الملَك الذي جاءني بحراء، جالسا على كرسي بين السماء والأرض، فجُئِثْتُ منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت إلى أهلي فقلت: زملوني، زملوني، فدثروني، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} "، قال أبو سلمة: والرجز الأوثان، ثم حمى الوحي بعد ذلك وتتابع"[1]، ورواه البخاري من هذا الوجه أيضا[2].
يعلق ابن كثير في تفسيره على هذا الاختلاف فيقول: والأولى القول بأن جبريل نزل بأول سورة العلق في بداية النبوة، وأن نزول أول سورة المدثر كان في بداية الرسالة؛ لأن في حديث نزول أول سورة المدثر الذي رواه مسلم وغيره إشارة إلى المجيء السابق لجبريل، حيث يقول: "فإذا الملَك الذي جاءني بحراء" يوم أن جاءه بأول سورة العلق، وهذا يفيد أن أول سورة نزلت بعد فتور الوحي هي المدثر، وهي أول وحي الرسالة، وعلى هذا فأولية نزول أول العلق أولية مطلقة، وأولية أول سورة المدثر مقيدة بما بعد فتور الوحي، وبدء الرسالة[3].
ويذهب البعض إلى أن سورة المزمل نزل قبل المدثر، لكن هذا الرأي مردود؛ لأن أول سورة المدثر فيه أمر بالإنذار، وهذا يكون في أول المبعث، أما أول سورة المزمل ففيها الأمر بقيام الليل، وترتيل القرآن، وهذا يقتضي تقدم تشريع [1] صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب بدء الوحي ج2 ص206. [2] صحيح البخاري بشرح فتح الباري - كتاب التفسير - باب {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} ج8 ص677، 678. [3] تفسير ابن كثير ج4 ص440.
اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 334