اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 303
إن تحبيب النبي صلى الله عليه وسلم في الخلاء تدريب على تخليه عن الناس، واتصاله بالملأ الأعلى، وهو يتلقى وحي الله تعالى، والذي سوف يتكرر كثيرا، ويدوم طويلا.
والخلاء يُعلم الإنسان التجرد عن الماديات والشهوات المتصلة بها، وتشعره بقيمة المعنويات والروحانيات الغائبة عن الحواس.
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: " ... ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك"[1] وجاء تعبير الحديث بلفظ "حُبب" المبني للمجهول إشارة إلى أن حب محمد للخلاء لم يكن من بواعثه البشرية، وإنما كان من الوحي والإلهام[2].
يقول ابن هشام: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور ذلك الشهر من كل سنة، يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره من شهره ذاك، كان أول ما يبدأ به، إذا انصرف من جواره الذهاب إلى الكعبة، قبل أن يدخل بيته فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلى بيته[3].
وكان صلى الله عليه وسلم يطيل النظر في الكون المحيط به في السماء ونجومها، وقمرها وشمسها، وأفلاكها ومجراتها، وصورتها في الليل وفي النهار.
ويتأمل الصحراء ساعات لهيبها المحرق تحت ضوء الشمس الباهرة اللألاء، وساعات صفوها البديع؛ إذ تكسوها أشعة القمر، أو أضواء النجوم بلباسها الرطب الندي.
وينظر في أهل مكة والحياة تشغلهم، ويتأمل في الآتين لمكة، وهم يطوفون بالبيت، والأصنام أمامهم!!..
كان صلى الله عليه وسلم يتأمل في كل ذلك وفي غيره يلتمس معرفة هذا الوجود، وما [1] صحيح البخاري - كتاب بدء الوحي ج1 ص21. [2] فتح الباري على صحيح البخاري ج1 ص22. [3] السيرة النبوية ج1 ص236.
اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 303