اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 363
أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض, وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها" [1].
يؤيد ذلك ما رواه البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، في ثوب واحد ثم يقول: "أيهم أكثر أخذًا للقرآن"؟. فإذا أشير له إلى أحد، قدمه في اللحد وقال صلى الله عليه وسلم: "أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة"، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم ولم يغسلوا[2].
الوجه الثالث:
إن المسلمين حملوا قتلاهم إلى المدينة، ودفنوهم بالبقيع، ولم يتمكنوا من إعادتهم إلى "أحد" ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليهم لدفنهم عقب الصلاة كما رغب.
ومما يذكر هنا أن الناس، أو عامتهم قد حملوا قتلاهم إلى المدينة، ودفنوهم بالبقيع، فلما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بردهم إلى أحد لم يتمكنوا من ذلك، ولم يردوا إلا رجلا واحدًا أدركه المنادي قبل أن يدفن، وهو شماس بن عثمان المخزومي رضي الله عنه، الذي حمل إلى المدينة وبه رمق فأدخل على عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
فقالت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ابن عمي يدخل على غيري!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احملوه إلى أم سلمة، فحمل إليها فمات عندها.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برده إلى "أحد"، فرد إليها، ودفن هناك كما هو في ثيابه التي مات فيها بلا غسل ولا صلاة، وكان قد مكث يومًا وليلة في المدينة ولكنه لم يذق شيئًا, وما ذهب إليه فقهاء الحجاز أقرب للفضل لأن ترك الصلاة عليهم إقرار باستمرار حياتهم، وفي ترك الغسل محافظة على أسر عبادة قاموا بها لأن الشهيد يأتي يوم القيامة وجرحه يثغب دمًا اللون لون الدم، والريح ريح المسك فكيف نزيل عنه هذا الطيب، ونحرمه من أثر العبادة المشرق.
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من دفن الشهداء جمع أصحابه، وقال لهم: "تعالوا نثني على الله". وصفهم صفين، وجعل النساء خلفهم، ثم دعا صلى الله عليه وسلم فقال: [1] صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة أحد ج6 ص286. [2] صحيح البخاري كتاب المغازي باب من قتل من المسلمين يوم أحد ج6 ص306.
اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 363