اسم الکتاب : السيرة النبوية المؤلف : الندوي، أبو الحسن الجزء : 1 صفحة : 527
وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده- على يقين بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مودّعهم في يوم من الأيام، ومفارق لهذا العالم الفاني، وراجع إلى ربّه، ليجزيه الجزاء الأوفى، فلمّا نزلت: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فهم منها الصحابة أنّه إيذان بدنوّ ساعة الفراق، فقد تمّت المهمّة، وجاء نصر الله والفتح [1] .
وقد استشعر كبار الصحابة وفاته حين نزلت الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [2] .
الشوق إلى لقاء الله وتوديع الدّنيا:
وقد ظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما عاد من حجّة الوداع التي أشار فيها إلى دنوّ أجله [3] ، ما يدلّ على التأهّب للسفر، واللحوق بالرفيق الأعلى، فصلّى على قتلى أحد، كأنّه مودّع أصحابه عن قريب- بعد ثماني سنين- كالمودّع للأحياء والأموات، ثمّ طلع المنبر، فقال: «إنّي بين أيديكم فرط [4] ، وأنا عليكم شهيد، وإنّ موعدكم الحوض، وإنّي لأنظر إليه من مقامي هذا، وإنّي [1] يقول ابن عباس: «هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له» ، وروى الإمام أحمد. [1/ 449] بسند عن ابن عباس، قال: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعيت إليّ نفسي» [وأخرجه عبد الرزاق في المصنّف (11/ 318) برقم (20646) ، والطبراني في الكبير (10/ 67) برقم (9970) ، وأحمد في المسند (1/ 449) من حديث عبد الله بن مسعود] . راجع تفسير ابن كثير. [2] راجع «السيرة النبوية» لابن كثير: ج 4، ص 427. [3] أخرج مسلم في صحيحه [في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة..، برقم (1297) ] عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عند جمرة العقبة وقال لنا: «خذوا عني مناسككم فلعلّي لا أحجّ بعد عامي هذا» . [4] [فرط: يقال: فرط يفرط، فهو فارط وفرط؛ إذا تقدّم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء، ويهيّىء لهم الدّلاء والأرشية] .
اسم الکتاب : السيرة النبوية المؤلف : الندوي، أبو الحسن الجزء : 1 صفحة : 527