اسم الکتاب : السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة المؤلف : أبو شهبة، محمد الجزء : 1 صفحة : 63
وفي هذا المضيق أقاموا سدا هائلا، وهو «سد مأرب» [1] ، وجعلوا له أبوابا، وعيونا يصرفون منها المياه، وبذلك أمكنهم أن يحتفظوا بالماء وراء السد لينتفعوا به وقت ما يريدون، فزادت رقعة الأرض المزروعة، وزرعوا في العام أكثر من مرة، كما استفادوا به أيضا في التحكم في السيول التي كانت تغرق القرى، وتتلف المزروعات، فكثر الخصب، وعم الرخاء، وعاش أهلها في نعمة عظيمة، وثمار وزروع كثيرة، وأرزاق متنوعة متتالية [2] .
وقد كانوا يتولّون السد بالرعاية والتجديد، فكان كلما تهدم منه جانب أسرعوا بإصلاحه حتى لقد حدث ذلك عدة مرات، فلما ضعفت الدولة في اخر أيامها شغلها ذلك عن العناية بالسد فبدأ يضعف، وقلّت مقاومته للسيول الجارفة، فانهار أمامها انهيارا يكاد يكون كليا، فعمّ السيل البلاد، وسبب الدمار والخراب، وهو ما عبر عنه القران الكريم «بسيل العرم» [3] وبسبب هذا السيل العام، وما حدث قبله من سيول كثيرة، تبدلت الحال غير الحال، وعمّ الخراب الديار والبلاد، وبعد أن كانت بلادهم ذات بساتين مثمرة، وزروع نافعة، صارت ذات أشجار لا تغني ولا تسمن من جوع، وذلك كما قال تعالى:
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) [4] .
وبسبب هذه السيول المتلاحقة، ولا سيما أعظمها، وهو سيل العرم، كانت هجرة بعض القبائل العربية من اليمن، فتفرقوا في غور البلاد ونجدها، حتى [1] في القاموس: مأرب كمنزل موضع باليمن. [2] البداية والنهاية، ج 2 ص 199. [3] العرم: الصعب الشديد فهو إضافة الموصوف إلى الصفة، وقيل العرم: المطر الشديد، وقيل اسم الوادي الذي كان يأتي منه السيل وبني فيه السد، وقيل العرم: جمع عرمة وهو كل ما بني لحجز الماء فهو اسم للسد. [4] الايتان 16- 17 من سورة سبأ.
اسم الکتاب : السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة المؤلف : أبو شهبة، محمد الجزء : 1 صفحة : 63