اسم الکتاب : السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة المؤلف : أبو شهبة، محمد الجزء : 1 صفحة : 237
نزّهه الله سبحانه عن الشعر، والرسالة تقتضي انطلاقا في الأسلوب والتعبير، والشعر تقيد والتزام، وصدق الله حيث يقول: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ.
ومع هذا فقد كان يتذوق ما في الشعر من جمال وحكمة وروعة، ويستنشده أصحابه أحيانا، ولا عجب فهو القائل: «إنّ من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكما» رواه البخاري.
ولم يشرب خمرا قط، ولا اقترف فاحشة، ولا انغمس فيما كان ينغمس فيه المجتمع العربي حينئذ من اللهو، واللعب، والميسر «القمار» ، ومصاحبة الأشرار، ومعاشرة القيان، والجري وراء الغيد الكواعب [1] ، على ما كان عليه من فتوة وشباب، وشرف نسب، وعزة قبيلة، وكمال وجمال وغيرها من وسائل الإغراء.
ولقد كان صلّى الله عليه وسلّم يذكر ذلك وهو كبير، ويعدّه من نعم الله عليه، وعصمته له، فقد روي عنه أنه قال: «ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمّون به [2] إلا مرتين، وكلتاهما عصمني الله عز وجل فيهما، قلت ليلة لبعض فتيان قريش، ونحن في رعي غنم أهلها، قلت لصاحبي: أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة، فأسمر [3] فيها كما يسمر الفتيان، فقال: نعم، فدخلت حتى جئت أول دار من مكة، فسمعت عزفا بالغرابيل [4] ، والمزامير، فقلت: ما هذا؟ قالوا: تزوج فلان فلانة، فجلست أنظر، وضرب الله على أذني، فو الله ما أيقظني إلا مسّ الشمس، فرجعت إلى صاحبي، فقال: ما فعلت؟ قلت: ما فعلت شيئا! ثم أخبرته بالذي رأيت. ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي حتى أسمر ففعل، فدخلت، فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة، فسألت، [1] الغيد الكواعب: البنات الحسان اللاتي في سن البلوغ. [2] في رواية البيهقي: «يهمون به من النساء إلا ليلتين» والمراد مما يتعلق بالنساء كالعرس، فقد نصت الرواية على ذلك والقصة واحدة. أو لعلها السماع بدل النساء. [3] أي ألهو كما يلهو الشباب. [4] الدفوف.
اسم الکتاب : السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة المؤلف : أبو شهبة، محمد الجزء : 1 صفحة : 237