فوالله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت مثل هذا، قال: مهلا يا عباس، فوالله لإسلامك كان أحب إليّ من إسلام الخطاب، لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به، فذهبت، فلما أصبحت غدوت به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك؟ لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد.
قال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله، قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك؟ أما هذه فإن في النفس حتى الآن منها شيئا. فقال له العباس:
ويحك أسلم، واشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، قبل أن تضرب عنقك، فأسلم وشهد شهادة الحق.
قال العباس: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئا. قال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن.
الجيش الإسلامي يغادر مرّ الظهران إلى مكة:
وفي هذا الصباح- صباح يوم الثلاثاء للسابع عشر من شهر رمضان سنة 8 هـ- غادر رسول الله صلّى الله عليه وسلم مر الظهران إلى مكة، وأمر العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي عند خطم الجبل [1] ، حتى تمر به جنود الله فيراها، ففعل، فمرت القبائل على راياتها، كلما مرت به قبيلة قال: يا عباس من هذه؟ فيقول- مثلا-: سليم، فيقول: مالي ولسليم؟ ثم تمر به القبيلة فيقول: يا عباس من هؤلاء؟ فيقول: مزينة، فيقول: مالي ولمزينة؟ حتى نفدت القبائل، ما تمر به قبيلة إلا سأل العباس عنها، فإذا أخبره قال مالي ولبني فلان؟ حتى مر به رسول الله صلّى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، قال: سبحان الله يا عباس من هؤلاء؟ قال: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم من المهاجرين [1] الخطم: الأنف، شيء يخرج من الجبل يضيق به الطريق.