وحينئذ أظلمت الدنيا أمام عيني أبي سفيان، فقال لعلي بن أبي طالب في هلع وانزعاج ويأس وقنوط: يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي، فانصحني. قال: والله ما أعلم لك شيئا يغني عنك. ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجر بين الناس، ثم الحق بأرضك. قال:
أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ قال: لا والله ما أظنه، ولكني لم أجد لك غير ذلك. فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس، إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره، وانطلق.
ولما قدم على قريش، قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمدا فكلمته، فوالله ما رد علي شيئا، ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد فيه خيرا، ثم جئت عمر بن الخطاب، فوجدته أدنى العدو، ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم، قد أشار علي بشيء صنعته، فوالله ما أدري هل يغني عني شيئا أم لا؟ قالوا: وبم أمرك؟ قال: أمرني أن أجير بين الناس، ففعلت، قالوا فهل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا. قالوا: ويلك، إن زاد الرجل على أن لعب بك. قال: لا والله ما وجدت غير ذلك.
التهيؤ للغزوة ومحاولة الإخفاء:
يؤخذ من رواية الطبراني أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر عائشة- قبل أن يأتي إليه خبر نقض الميثاق بثلاثة أيام- أن تجهزه، ولا يعلم أحد، فدخل عليها أبو بكر، فقال: يا بنية ما هذا الجهاز؟ قالت: والله ما أدري. فقال: والله ما هذا زمان غزو بني الأصفر، فأين يريد رسول الله؟ قالت: والله لا علم لي. وفي صباح الثالثة جاء عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين راكبا، وارتجز: يا رب إني ناشد محمدا.. الأبيات. فعلم الناس بنقض الميثاق، وبعد عمرو جاء بديل ثم أبو سفيان وتأكد عند الناس الخبر، فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالجهاز، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة. وقال اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها.
وزيادة في الإخفاء والتعمية بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم سرية قوامها ثمانية رجال تحت قيادة أبي قتادة بن ربعي إلى بطن إضم فيما بين ذي خشب وذي المروة على ثلاثة برد من المدينة، في أول شهر رمضان سنة 8 هـ، ليظن الظان أنه صلّى الله عليه وسلم يتوجه إلى تلك الناحية، ولتذهب بذلك الأخبار، وواصلت هذه السرية سيرها، حتى إذا وصلت حيثما أمرت بلغها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم