وقد ظهر حنقه هذا وتحرقه منذ بداية الهجرة قبل أن يتظاهر بالإسلام، وبعد أن تظاهر به.
ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم مرة على حمار؛ ليعود سعد بن عبادة، فمر بمجلس فيه عبد الله بن أبي، فخمر ابن أبي أنفه وقال: لا تغبروا علينا. ولما تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم على المجلس القرآن، قال:
اجلس في بيتك، ولا تغشنا في مجلسنا [1] .
وهذا قبل أن يتظاهر بالإسلام، ولما تظاهر به بعد بدر، لم يزل إلا عدوا لله ولرسوله وللمؤمنين، ولم يكن يفكر إلا في تشتيت المجتمع الإسلامي، وتوهين كلمة الإسلام، وكان يوالي أعداءه، وقد تدخل في أمر بني قينقاع كما ذكرنا، وكذلك جاء في غزوة أحد من الشر والغدر والتفريق بين المسلمين، وإثارة الارتباك والفوضى في صفوفهم بما مضى.
وكان من شدة مكر هذا المنافق وخداعه بالمؤمنين، أنه كان بعد التظاهر بالإسلام، يقوم كل جمعة حين يجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم للخطبة، فيقول: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين أظهركم، أكرمكم الله وأعزكم به، فانصروه، وعزروه، واسمعوا له وأطيعوا، ثم يجلس، فيقوم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويخطب، وكان من وقاحة هذا المنافق أنه قام في يوم الجمعة التي بعد أحد- مع ما ارتكبه من الشر والغدر الشنيع- قام ليقول ما كان يقوله من قبل، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه، وقالوا له: اجلس أي عدو الله، لست لذلك بأهل، وقد صنعت ما صنعت، فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: والله لكأنما قلت بجرا أن قمت أشدد أمره، فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد فقال: ويلك، ارجع يستغفر لك رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: والله ما أبتغي أن يستغفر لي [2] .
وكانت له اتصالات ببني النضير يؤامر معهم ضد المسلمين، حتى قال لهم: لئن أخرجتم لنخرجن معكم، ولئن قوتلتم لننصرنكم.
وكذلك فعل هو وأصحابه في غزوة الأحزاب من: إثارة القلق والاضطراب، وإلقاء الرعب والدهشة في قلوب المؤمنين ما قد قص الله تعالى في سورة الأحزاب وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً إلى قوله يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ [1] ابن هشام 1/ 584، 587. صحيح البخاري 2/ 924، وصحيح مسلم 2/ 9. [2] ابن هشام 2/ 105.