فترة الوحي:
أما مدة فترة الوحي فروى ابن سعد عن ابن عباس ما يفيد أنها كانت أياما [1] وهذا الذي يترجح بل يتعين بعد إدارة النظر في جميع الجوانب. وأما ما اشتهر من أنها دامت طيلة ثلاث سنين أو سنتين ونصف فلا يصح بحال، وليس هذا موضع التفصيل في رده.
وقد بقي رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أيام الفترة كئيبا محزونا، تعتريه الحيرة والدهشة، فقد روى البخاري في كتاب التعبير ما نصه:
وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلّى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا عدا [2] منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك [3] .
جبريل ينزل بالوحي مرة ثانية:
قال ابن حجر: وكان ذلك (أن انقطاع الوحي أياما) ، ليذهب ما كان صلّى الله عليه وسلم وجده من الروع، وليحصل له التشوف إلى العود [4] ، فلما تقلصت ظلال الحيرة، وثبتت أعلام الحقيقة، وعرف صلّى الله عليه وسلم معرفة اليقين أنه أضحى نبيا لله الكبير المتعال، وأن ما جاءه سفير الوحي ينقل إليه خبر السماء وصار تشوفه وارتقابه لمجيء الوحي سببا في ثباته واحتماله عندما يعود، جاءه جبريل للمرة الثانية. روى البخاري عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي، قال:
فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري قبل السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجئثت منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني، فزملوني، فأنزل الله تعالى: يا أيها المدثر إلى قوله: فاهجر، ثم حمي الوحي وتتابع [5] . [1] فتح الباري 1/ 27، 12/ 360. [2] بالعين المهملة من العدو، وهو الذهاب بسرعة، وفي بعض النسخ «غدا» بالغين المعجمة. [3] صحيح البخاري كتاب التعبير باب أول ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة 2/ 10340. [4] فتح الباري 1/ 27. [5] صحيح البخاري كتاب التفسير باب والرجز فاهجر 4/ 1876.