ومر الجيش في هذا الطريق بحائط مربع بن قيظي- وكان منافقا ضرير البصر- فلما أحس بالجيش قام يحثو التراب في وجوه المسلمين، ويقول: لا أحل لك أن تدخل حائطي إن كنت رسول الله فابتدره القوم ليقتلوه، فقال: «لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصر» .
ونفذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حتى نزل الشعب من جبل أحد في عدوة الوادي، فعسكر بجيشه مستقبلا المدينة، وجاعلا ظهره إلى هضاب جبل أحد، وعلى هذا صار جيش العدو فاصلا بين المسلمين وبين المدينة.
خطة الدفاع:
وهناك عبأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم جيشه، وهيأهم صفوفا للقتال، فانتخب منهم فصيلة من الرماة الماهرين، قوامها خمسون مقاتلا، وأعطى قيادتها لعبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري الأوسي البدري، وأمرهم بالتمركز على جبل يقع على الضفة الجنوبية من وادي قناة- وعرف فيما بعد بجبل الرماة- جنوب شرق معسكر المسلمين، على بعد حوالي مائة وخمسين مترا من مقر الجيش الإسلامي.
والهدف من ذلك هو ما أبداه رسول الله صلّى الله عليه وسلم في كلماته التي ألقاها إلى هؤلاء الرماة فقد قال لقائدهم: «انضح الخيل عنا بالنبل، لا يأتون من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك» [1] . ثم قال للرماة: «احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا [2] » ، وفي رواية البخاري أنه قال: «إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم [3] .
وبتعيين هذه الفصيلة في الجبل مع هذه الأوامر العسكرية الشديدة سد رسول الله صلّى الله عليه وسلم الثلمة الوحيدة التي كان يمكن لفرسان المشركين أن يتسللوا من ورائها إلى صفوف المسلمين، ويقوموا بحركات الالتفاف وعملية التطويق. [1] ابن هشام 2/ 65، 66. [2] روى ذلك أحمد والطبراني والحاكم عن ابن عباس. انظر فتح الباري 7/ 350. [3] صحيح البخاري، كتاب الجهاد 1/ 426.