ثم يجلس معه على فراشه، ويمسح ظهره بيده ويسره ما يراه يصنع [1] .
ولثماني سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلّى الله عليه وسلم توفي جده عبد المطلب بمكة، ورأى قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه [2] .
إلى عمه الشفيق:
ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمه إلى ولده، وقدمه عليهم، واختصه بفضل احترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه. ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله، وستأتي نبذ من ذلك في مواضعها.
بحيرا الراهب:
ولما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة- قيل وشهرين وعشرة أيام [3] - ارتحل به أبو طالب تاجرا إلى الشام، حتى وصل إلى بصرى [4] - وهي معدودة من الشام وقصبة لحوران، وكانت في ذلك الوقت قصبة للبلاد العربية التي كانت تحت حكم الرومان- وكان في هذه البلد راهب عرف ببحيرا واسمه جرجيس فلما نزل الركب خرج إليهم، وأكرمهم بالضيافة، وكان لا يخرج إليهم قبل ذلك وعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم بصفته، فقال وهو آخذ بيده: هذا سيد العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال أبو طالب: وما علمك بذلك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا وخرّ ساجدا، ولا تسجد إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة، وإنا نجده في كتبنا، وسأل أبا طالب أن يرده، ولا يقدم به إلى الشام، خوفا عليه من اليهود، فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة [5] . [1] ابن هشام 1/ 168. [2] تلقيح فهوم أهل الأثر ص 7، ابن هشام 1/ 169. [3] قاله ابن الجوزي في تلقيح فهوم أهل الأثر ص 7. [4] تبعد 20 كم شرق درعا. [5] مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي ص 16، وابن هشام 1/ 180، 181، 182، 183، ووقع في كتاب الترمذي وغيره أنه بعث معه بلالا (تحفة الأحوذي) وهو من الغلط الواضح، فإن بلالا إذ ذاك لعله لم يكن موجودا، وإن كان موجودا فلم يكن مع عمه ولا مع أبي بكر. زاد المعاد 1/ 17.