يضحكون، ويحيل بعضهم على بعض- أي: يتمايل بعضهم على بعض مرحا وبطرا-، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد، لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة، فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قال: اللهم عليك بقريش ثلاث مرات، فشق ذلك عليهم إذ دعا عليهم، وقال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمى اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة. وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط- وعد السابع فلم يحفظه- فو الذي نفسي بيده لقد رأيت الذي عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب، قليب بدر [1] .
وكان أمية بن خلف إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم همزه ولمزه. وفيه نزل: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ قال ابن هشام: الهمزة: الذي يشتم الرجل علانية، ويكسر عينيه، ويغمز به.
واللمزة: الذي يعيب الناس سرا ويؤذيهم [2] .
أما أخوه أبيّ بن خلف فكان هو وعقبة بن أبي معيط متصافيين. وجلس عقبة مرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه، فلما بلغ ذلك أبيا أنّبه وعاتبه وطلب منه أن يتفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل. وأبيّ بن خلف نفسه فت عظاما رميما ثم نفخه في الريح نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم [3] .
وكان الأخنس بن شريق الثقفي ممن ينال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وصفه القرآن بتسع صفات تدل على ما كان عليه، وهي في قوله تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ، مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ [القلم: 10- 11- 12- 13] .
وكان أبو جهل يجيء أحيانا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع منه القرآن، ثم يذهب عنه فلا يؤمن ولا يطيع، ولا يتأدب ولا يخشى، ويؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول، ويصد عن سبيل الله، ثم يذهب مختالا بما يفعل، فخورا بما ارتكب من الشر، كأنما فعل شيئا يذكر، وفيه نزل: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى إلخ [4] وكان يمنع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة منذ أول يوم رآه يصلي في الحرم، ومرة مر به وهو يصلي عند المقام فقال: يا محمد ألم أنهك عن هذا، [1] صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب إذا ألقى على المصلي قذر أو جيفة 1/ 37. [2] ابن هشام 1/ 356، 357. [3] نفس المصدر 1/ 361، 362. [4] في ظلال القرآن 29/ 212.