لأهله إلا الله ورسوله- وكانت أربعة آلاف درهم، وهو أول من جاء بصدقته، وجاء عمر بنصف ماله، وجاء العباس بمال كثير، وجاء طلحة وسعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة، كلهم جاؤا بمال، وجاء عاصم بن عدي بتسعين وسقا من التمر، وتتابع الناس بصدقاتهم قليلها وكثيرها، حتى كان منهم من أنفق مدا أو مدين لم يكن يستطيع غيرها؛ وبعثت النساء ما قدرن عليه من مسك ومعاضد وخلاخل وقرط وخواتم.
ولم يمسك أحد يده، ولم يبخل بماله إلا المنافقون الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ، وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ [التوبة: 79] .
الجيش الإسلامي إلى تبوك
وهكذا تجهز الجيش، فاستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري، وقيل سباع بن عرفطة، وخلف على أهله علي بن أبي طالب، وأمره بالإقامة فيهم، وغمص عليه المنافقون، فخرج فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فرده إلى المدينة وقال: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي» .
ثم تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو الشمال يريد تبوك، ولكن الجيش كان كبيرا- ثلاثون ألف مقاتل، لم يخرج المسلمون في مثل هذا الجمع الكبير قبله قط- فلم يستطع المسلمون مع ما بذلوه من الأموال أن يجهزوه تجهيزا كاملا. بل كانت في الجيش قلة شديدة بالنسبة إلى الزاد والمراكب، فكان ثمانية عشر رجلا يعتقبون بعيرا واحدا، وربما أكلوا أوراق الأشجار حتى تورمت شفاههم، واضطروا إلى ذبح العير- مع قلتها- ليشربوا ما في كروشها من الماء، ولذلك سمي هذا الجيش: جيش العسرة.
ومر الجيش الإسلامي في طريقه إلى تبوك بالحجر- ديار ثمود الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ، أي وادي القرى- فاستقى الناس من بئرها، فلما راحوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشربوا من مائها ولا تتوضأوا منه للصلاة. وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل، ولا تأكلوا منه شيئا، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها ناقة صالح عليه السلام» .
وفي الصحيحين عن ابن عمر قال؛ لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين، ثم قنع رأسه وأسرع بالسير حتى جاز الوادي» [1] . [1] صحيح البخاري باب نزول النبيّ صلى الله عليه وسلم الحجر 2/ 637.