روى البخاري عن نافع أن ابن عمر أخبره أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل، فعددت به خمسين بين طعنة وضربة، ليس منها شيء في دبره. يعني ظهره [1] .
وفي رواية أخرى قال ابن عمر: كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية [2] . وفي رواية العمري عن نافع زيادة: (فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده) [3] .
ولما قتل جعفر بعد القتال بمثل هذه الضراوة والبسالة أخذ الراية عبد الله بن رواحة، وتقدم بها، وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه، ويتردد بعض التردد حتى حاد حيدة، ثم قال:
أقسمت يا نفس لتنزلنه ... كارهة أو لتطاوعنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنه ... ما لي أراك تكرهين الجنه
ثم نزل، فأتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال: شد بهذا صلبك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده فانتهس منه نهسة، ثم ألقاه من يده ثم أخذ سيفه فتقدم، فقاتل حتى قتل.
الراية إلى سيف من سيوف الله
وحينئذ تقدم رجل من بني عجلان- اسمه ثابت بن أرقم- فأخذ الراية وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية قاتل قتالا مريرا، فقد روى البخاري عن خالد بن الوليد قال: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية [4] . وفي لفظ آخر: لقد دق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، وصبرت في يدي صفيحة لي يمانية [5] .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مؤتة- مخبرا بالوحي، قبل أن يأتي إلى الناس الخبر من [1] صحيح البخاري، باب غزوة مؤتة من أرض الشام 2/ 611. [2] نفس المصدر 2/ 611. [3] انظر فتح الباري 7/ 512، وظاهر الحديثين التخالف في العدد، وجمع بأن الزيادة باعتبار ما وجد فيه من رمي السهام، انظر المصدر المذكور. [4] صحيح البخاري باب غزوة مؤتة من أرض الشام 2/ 611. [5] نفس المصدر 2/ 611.