اليهود رحلت إلى الحجاز، واستقرت في يثرب وخيبر وتيماء، وأنشأت فيها القرى والآطام والقلاع، وانتشرت الديانة اليهودية بين قسم من العرب عن طريق هؤلاء المهاجرين، وأصبح لها شأن يذكر في الحوادث السياسية التي سبقت ظهور الإسلام، والتي حدثت في صدره. وحينما جاء الإسلام كانت القبائل اليهودية المشهورة هي: خيبر والنضير والمصطلق وقريظة وقينقاع، وذكر السمهودي في وفاء الوفا (ص 116) أن عدد القبائل اليهودية يزيد على عشرين [1] .
ودخلت اليهودية في اليمن من قبل تبان أسعد أبي كرب، فإنه ذهب مقاتلا إلى يثرب واعتنق هناك اليهودية وجاء بحبرين من بني قريظة إلى اليمن، فأخذت اليهودية إلى التوسع والإنتشار فيها، ولما ولي اليمن بعده ابنه يوسف ذو نواس هجم على المسيحيين من أهل نجران ودعاهم إلى اعتناق اليهودية، فلما أبوا خدّ لهم الأخدود، وأحرقهم بالنار، ولم يفرق بين الرجل والمرأة والأطفال الصغار والشيوخ الكبار، ويقال إن عدد المقتولين ما بين عشرين ألفا إلى أربعين ألفا، وقع ذلك في أكتوبر سنة 523 م [2] . وقد أورد القرآن جزآ من هذه القصة في سورة البروج.
أما الديانة النصرانية فقد جاءت إلى بلاد العرب عن طريق احتلال الحبشة والرومان، وكان أول احتلال الحبشة لليمن سنة 340 م، واستمر إلى سنة 378 م [3] ، وفي ذلك الزمان دخل التبشير المسيحي في ربوع اليمن، وبالقرب من هذا الزمان دخل رجل زاهد مستجاب الدعوات وصاحب كرامات- وكان يسمى فيميون- إلى نجران، ودعاهم إلى الدين المسيحي، ورأى أهل نجران من أمارات صدقه وصدق دينه ما لبوا لأجله المسيحية واعتنقوها [4] .
ولما احتلت الأحباش اليمن كرد فعل لما أتاه ذو نواس، وتمكن أبرهة من حكومتها؛ أخذ ينشر الديانة المسيحية بأوفر نشاط، وأوسع نطاق، حتى بلغ من نشاطه أنه بنى كعبة باليمن، وأراد أن يصرف حج العرب إليها، ويهدم بيت الله الذي بمكة، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى. [1] قلب جزيرة العرب، ص 151. [2] تفهيم القرآن 6/ 297، 298، وابن هشام 1/ 20، 21، 22، 27، 31، 35، 36. [3] تفهيم القرآن 6/ 297. [4] انظر في ذلك مفصلا ابن هشام 1/ 31، 32، 33، 34.