الجن يلقي عليه الأخبار، ومنهم من يدعي إدراك الغيب بفهم أعطيه، ومنهم من يدعي معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا القسم يسمى عرافا، كمن يدعي معرفة المسروق ومكان السرقة والضالة ونحوهما.
والمنجّم: من ينظر في النجوم أي الكواكب، ويحسب سيرها ومواقيتها، ليعلم بها أحوال العالم وحوادثه التي تقع في المستقبل [1] والتصديق بأخبار المنجمين هو في الحقيقة إيمان بالنجوم، وكان من إيمانهم بالنجوم الإيمان بالأنواء، فكانوا يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا [2] .
وكانت فيهم الطّيرة (بكسر ففتح) وهي التشاؤم بالشيء، وأصله أنهم كانوا يأتون الطير أو الظبي فينفرونه، فإن أخذ ذات اليمين مضوا إلى ما قصدوا، وعدوه حسنا، وإن أخذ ذات الشمال انتهوا عن ذلك وتشاءموا، وكانوا يتشاءمون كذلك إن عرض الطير أو الحيوان في طريقهم.
ويقرب من هذا تعليقهم كعب الأرنب، والتشاؤم ببعض الأيام والشهور والحيوانات والدور والنساء، والاعتقاد بالعدوى والهامة، فكانوا يعتقدون أن المقتول لا يسكن جأشه ما لم يؤخذ بثأره، وتصير روحه هامة أي بومة تطير في الفلوات وتقول: صدى صدى أو أسقوني أسقوني، فإذا أخذ بثأره سكن واستراح [3] .
كان أهل الجاهلية على ذلك وفيهم بقايا من دين إبراهيم ولم يتركوه كله، مثل تعظيم البيت والطواف به، والحج، والعمرة، والوقوف بعرفة، والمزدلفة وإهداء البدن، نعم ابتدعوا في ذلك بدعا.
منها أن قريشا كانوا يقولون: نحن بنو إبراهيم وأهل الحرم، وولاة البيت وقاطنو مكة، وليس لأحد من العرب مثل حقنا ومنزلتنا- وكانوا يسمون أنفسهم الحمس- فلا ينبغي لنا أن نخرج من الحرم إلى الحل، فكانوا لا يقفون بعرفة، ولا يفيضون منها وإنما كانوا يفيضون من المزدلفة وفيهم أنزل: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ [البقرة:
199] [4] . [1] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 2/ 2، 3. [2] أنظر صحيح مسلم مع شرحه للنووي، باب بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء، من كتاب الإيمان 1/ 59. [3] انظر صحيح البخاري 2/ 851، 857 مع حواشيه للشيخ أحمد علي السهارنفوري. [4] ابن هشام 1/ 199، صحيح البخاري 1/ 226.