نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا «1»
وفيه عن البراء بن عازب قال: رأيته صلى الله عليه وسلم ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه، وكان كثير الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل من التراب، ويقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا
قال: ثم يمد بها صوته باخرها، وفي رواية:
إن الألى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا «2»
كان المسلمون يعملون بهذا النشاط وهم يقاسون من شدة الجوع، ما يفتت الأكباد قال أنس: (كان أهل الخندق) يؤتون بملء كفي من الشعير، فيصنع لهم بإهالة سنخة [3] توضع بين يدي القوم، والقوم جياع، وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن.
وقال أبو طلحة: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين [4] .
وبهذه المناسبة وقع في حفر الخندق آيات من أعلام النبوة، رأى جابر بن عبد الله في النبي صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا، فذبح بهيمة وطحنت امرأته صاعا من شعير ثم التمس من رسول الله صلى الله عليه وسلم سرا أن يأتي في نفر من أصحابه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بجميع أهل الخندق، وهم ألف فأكلوا من ذلك الطعام وشبعوا، وبقيت برمة اللحم تغط به كما هي، وبقي العجين يخبز كما هو [5] . وجاءت أخت النعمان بن بشير بحفنة من تمر إلى الخندق ليتغدى أبوه وخاله، فمرت برسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب منها التمر وبدده فوق ثوب، ثم دعا أهل الخندق فجعلوا يأكلون منه. وجعل التمر يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه يسقط من أطراف الثوب [6] .
(1) نفس المصدر.
(2) نفس المصدر 2/ 589. [3] نفس المصدر 2/ 588. والإهالة: الدهن الذي يؤتدم به سواء كان زيتا أو سمنا أو شحما سنخة: أي تغير طعمها ولونها من قدمها. [4] رواه الترمذي مشكاة المصابيح 2/ 448. [5] روى ذلك البخاري 2/ 588، 589. [6] ابن هشام 2/ 218.