أصحابه، وإذا معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر به، فلما قدم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعل، فقال: لقد قتلت قتيلين لأدينهما وانشغل بجمع دياتهم من المسلمين وحلفائهم اليهود [1] ، وهذا الذي صار سببا لغزوة بني النضير كما سيذكر.
وقد تألم النبي صلى الله عليه وسلم لأجل هذه المأساة، ولأجل مأساة الرجيع اللتين وقعتا خلال أيام معدودة [2] تألما شديدا، وتغلب عليه الحزن والقلق [3] ، حتى دعا على هؤلاء القوم والقبائل التي قامت بالغدر والفتك في أصحابه، ففي الصحيح عن أنس قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحابه ببئر معونة ثلاثين صباحا، يدعو في صلاة الفجر على رعل وذكوان ولحيان وعصية، ويقول: عصية عصت الله ورسوله، فأنزل الله تعالى على نبيه قرآنا قرأناه حتى نسخ بعد: «بلغوا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه» فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قنوته [4] .
غزوة بني النضير
قد أسلفنا أن اليهود كانوا يتحرقون على الإسلام والمسلمين، إلا أنهم لم يكونوا أصحاب حرب وضرب، بل كانوا أصحاب دس ومؤامرة، فكانوا يجاهرون بالحقد والعداوة، ويختارون أنواعا من الحيل، لإيقاع الإيذاء بالمسلمين دون أن يقوموا للقتال، مع ما كان بينهم وبين المسلمين من عهود ومواثيق، وأنهم بعد وقعة بني قينقاع، وقتل كعب بن الأشرف خافوا على أنفسهم، فاستكانوا والتزموا الهدوء والسكوت.
ولكنهم بعد وقعة أحد تجرؤوا، فكاشفوا بالعداوة والغدر، وأخذوا يتصلون بالمنافقين وبالمشركين من أهل مكة سرا، ويعملون لصالحهم ضد المسلمين [5] .
وصبر النبي صلى الله عليه وسلم، حتى ازدادوا جرأة وجسارة بعد وقعة الرجيع وبئر معونة، حتى قاموا بمؤامرة تهدف القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم.
وبيان ذلك أنه صلى الله عليه وسلم خرج إليهم في نفر من أصحابه، وكلمهم أن يعينوه في دية [1] انظر ابن هشام 2/ 183 إلى 188، وزاد المعاد 2/ 109، 110، صحيح البخاري 2/ 584، 586. [2] ذكر الواقدي أن خبر أصحاب الرجيع وخبر أصحاب بئر معونة أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة. [3] روى ابن سعد عن أنس ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على أحد ما وجد على أصحاب بئر معونة «مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي ص 260» . [4] البخاري 2/ 586، 587، 588. [5] يؤخذ ذلك مما رواه أبو داود في باب خبر النضير 3/ 116، 117 «عون المعبود شرح سنن أبي داود» .