وكان سهل بن حنيف أحد الرماة الأبطال، بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، ثم قام بدور فعال في ذود المشركين.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر الرماية بنفسه، فعن قتادة بن النعمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها [1] ، فأخذها قتادة بن النعمان، فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عينه حتى وقعت على وجنته، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فكانت أحسن عينيه وأحدّهما.
وقاتل عبد الرحمن بن عوف حتى أصيب فوه يومئذ فهتم، وجرح عشرين جراحة أو أكثر، أصابه بعضها في رجله فعرج.
وامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من وجنته صلى الله عليه وسلم حتى أنقاه.
فقال: مجه. فقال: والله لا أمجه أبدا. ثم أدبر يقاتل، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا» فقتل شهيدا.
وقاتلت أم عمارة، فاعترضت لابن قمئة في أناس من المسلمين، فضربها ابن قمئة على عاتقها ضربة تركت جرحا أجوف، وضربت هي ابن قمئة عدة ضربات بسيفها، لكن كانت عليه درعان فنجا، وبقيت أم عمارة تقاتل حتى أصابها اثنا عشر جرحا.
وقاتل مصعب بن عمير بضراوة بالغة، يدافع عن النبيّ صلى الله عليه وسلم هجوم ابن قمئة وأصحابه، وكان اللواء بيده، فضربوه على يده اليمنى حتى قطعت، فأخذ اللواء بيده اليسرى، وصمد في وجوه الكفار حتى قطعت يده اليسرى، ثم برك عليه بصدره وعنقه حتى قتل، وكان الذي قتله هو ابن قمئة، وهو يظنه رسول الله- لشبهه به- فانصرف ابن قمئة إلى المشركين، وصاح: إن محمدا قد قتل [2] .
إشاعة مقتل النبيّ صلى الله عليه وسلم وأثره على المعركة
ولم يمض على هذا الصياح دقائق، حتى شاع خبر مقتل النبيّ صلى الله عليه وسلم في المشركين والمسلمين، وهذا هو الظرف الدقيق الذي خارت فيه عزائم كثير من الصحابة المطوقين، الذين لم يكونوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانهارت معنوياتهم، حتى وقع داخل صفوفهم ارتباك شديد، وعمتها الفوضى والإضطراب، إلا أن هذه الصيحة خففت بعض التخفيف من [1] سيتها: ما عطف من طرفيها. [2] انظر ابن هشام 2/ 73، 80، 81، 82، 83، وزاد المعاد 2/ 97.