فوره إلى الجهاد، فلما التقى بجيش المشركين في ساحة القتال، أخذ يشق الصفوف، حتى خلص إلى قائد المشركين أبي سفيان صخر بن حرب، وكاد يقضي عليه لولا أن أتاح الله له الشهادة، فقد شد على أبي سفيان، فلما استعلاه وتمكن منه رآه شداد ابن الأسود فضربه حتى قتله.
نصيب فصيلة الرماة في المعركة:
وكانت للفصيلة التي عينها الرسول صلى الله عليه وسلم على جبل الرماة يد بيضاء في إدارة دفة القتال لصالح الجيش الإسلامي، فقد هجم فرسان مكة بقيادة خالد بن الوليد يسانده أبو عامر الفاسق، ثلاث مرات ليحطموا جناح الجيش الإسلامي الأيسر، حتى يستربوا إلى ظهور المسلمين، فيحدثوا البلبلة والإرتباك في صفوفهم، وينزلوا عليهم هزيمة ساحقة، ولكن هؤلاء الرماة رشقوهم بالنبل حتى فشلت هجماتهم الثلاث [1] .
الهزيمة تنزل بالمشركين:
هكذا دارت رحى الحرب الزبون، وظل الجيش الإسلامي الصغير مسيطرا على الموقف كله، حتى خارت عزائم أبطال المشركين، وأخذت صفوفهم تتبدد عن اليمين والشمال والأمام والخلف، كأن ثلاثة آلاف مشرك يواجهون ثلاثين ألف مسلم، لا بضع مئات قلائل، وظهر المسلمون في أعلى صور الشجاعة واليقين.
وبعد أن بذلت قريش أقصى جهدها لسد هجوم المسلمين أحست بالعجز والخور، وانكسرت همتها، حتى لم يجترئ أحد منها أن يدنو من لوائها، الذي سقط بعد مقتل صواب، فيحمله ليدور حوله القتال- فأخذت في الإنسحاب، ولجأت إلى الفرار، ونسيت ما كانت تتحدث به في نفوسها من أخذ الثأر والوتر والإنتقام، وإعادة العز والمجد والوقار.
قال ابن إسحاق: ثم أنزل الله نصره على المسلمين، وصدقهم وعده، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن المعسكر، وكانت الهزيمة لا شك فيها. روى عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه قال: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم- سوق- هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب، مادون أخذهن قليل ولا كثير ... إلخ [2] وفي حديث البراء بن عازب عند البخاري في الصحيح: فلما لقيناهم هربوا، حتى رأيت النساء يشتدون في الحبل، يرفعن سوقهن قد [1] انظر فتح الباري 7/ 346. [2] ابن هشام 2/ 77.