يسأل الركبان عن عمير، حتى أخبره راكب عن إسلامه، فحلفه صفوان ألايكلمه أبدا، ولا ينفعه بنفع أبدا.
ورجع عمير إلى مكة أقام بها يدعو إلى الإسلام فأسلم على يديه ناس كثير [1] .
غزوة بني قينقاع
قدمنا بنود المعاهدة التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود. وقد كان حريصا كل الحرص على تنفيذ ما جاء في هذه المعاهدة، وفعلا لم يأت من المسلمين ما يخالف حرفا واحدا من نصوصها. ولكن اليهود الذي ملأوا تاريخهم بالغدر والخيانة ونكث العهود، لم يلبثوا أن تمشوا مع طبائعهم القديمة، وأخذوا في طريق الدس والمؤامرة والتحريش وإثارة القلق والإضطراب في صفوف المسلمين. وهاك مثالا من ذلك:
نموذج من مكيدة اليهود
قال ابن إسحاق: مرشاس بن قيس- وكان شيخا (يهوديا) قد عسا [2] عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم- على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شابا من يهود كان معه، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث وما كان من قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددناها الآن جذعة- يعني الاستعداد لإحياء الحرب الأهلية التي كانت بينهم- وغضب الفريقان جميعا، وقالوا: قد فعلنا موعدكم الظاهرة- والظاهرة:
الحرة- السلاح السلاح، فخرجوا إليها، وكادت تنشب الحرب.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين، حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم، بعد أن [1] ابن هشام 1/ 661، 662، 663. [2] عسا الشيخ: كبر.