وقد لعب المسلمون دورا هاما للقضاء على هذه الأخطار، تظهر فيه عبقرية قيادة النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه من غاية التيقظ حول هذه الأخطار وما كان من حسن التخطيط للقضاء عليها، ونذكر في السطور الآتية صورة مصغرة منها.
غزوة بني سليم بالكدر
أول ما نقلت إستخبارات المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد بدر أن بني سليم من قبائل غطفان تحشد قواتها للغزو على المدينة فباغت النبي صلى الله عليه وسلم في مائتي راكب هذه القبائل المحتشدة في عقر دارها، وبلغ إلى منازلهم في موضع يقال له الكدر [1] . ففر بنو سليم وتركوا في الوادي خمسمائة بعير إستولى عليها جيش المدينة، وقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إخراج الخمس فأصاب كل رجل بعيرين، وأصاب غلاما يقال له: «يسار» فأعتقه.
وأقام النبي صلى الله عليه وسلم في ديارهم ثلاثة أيام، ثم رجع إلى المدينة.
وكانت هذه الغزوة في شوال سنة [2] هـ بعد الرجوع من بدر بسبعة أيام، واستخلف في هذه الغزوة على المدينة سباع بن عرفطة. وقيل: ابن أم مكتوم [2] .
مؤامرة لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم
كان من أثر هزيمة المشركين في وقعة بدر أن استشاطوا غضبا، وجعلت مكة تغلي كالمرجل ضد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تامر بطلان من أبطالها أن يقضوا على مبدأ هذا الخلاف والشقاق، ومثار هذا الذل والهوان في زعمهم، وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية في الحجر بعد وقعة بدر بيسير- وكان عمير من شياطين قريش، ممن كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم بمكة- وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر، فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان والله إن في العيش بعدهم خير.
قال له عمير: صدقت والله، أما والله لولا دين عليّ ليس له عندي قضاء، وعيال [1] الكدر، بالضم فالسكون: طير في لونها كدرة، وهو ماء من مياه بني سليم يقع في نجد على الطريق التجارية الشرقية الحيوية بين مكة والشام. [2] زاد المعاد 2/ 90، ابن هشام 2/ 43، 44، مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي ص 236.