responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الرحيق المختوم المؤلف : المباركفوري، صفي الرحمن    الجزء : 1  صفحة : 161
أما في المدينة فكان أمر المسلمين بأيديهم منذ أول يوم، ولم يكن عليهم سيطرة أحد من الناس، فقد آن لهم أن يواجهوا بمسائل الحضارة والعمران، وبمسائل المعيشة والإقتصاد، وبمسائل السياسة والحكومة، وبمسائل السلم والحرب، وبالتنقيح الكامل في مسائل الحلال والحرام والعبادة والأخلاق وما إلى ذلك من مسائل الحياة.
كان قد آن لهم أن يكونوا مجتمعا جديدا، مجتمعا إسلاميا، يختلف في جميع مراحل الحياة عن المجتمع الجاهلي، ويمتاز عن أي مجتمع يوجد في العالم الإنساني، ويكون ممثلا للدعوة الإسلامية التي عانى لها المسلمون ألوانا من النكال والعذاب طيلة عشر سنوات.
ولا يخفى أن تكوين أي مجتمع على هذا النمط لا يمكن أن يستتب في يوم واحد، أو شهر واحد، أو سنة واحدة، بل لا بد له من زمن طويل، يتكامل فيه التشريع والتقنين مع التثقيف والتدريب والتربية تدريجيا، وكان الله كفيلا بهذا التشريع، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما بتنفيذه، والإرشاد إليه، وتربية المسلمين وفقه: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة: 2] .
وكان الصحابة رضي الله عنهم مقبلين عليه بقلوبهم، يتحلون بأحكامه ويستبشرون بها وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً [الأنفال: 2] وليس تفصيل هذه المسائل كلها من مباحث موضوعنا فنقتصر منها على قدر الحاجة.
كان هذا أعظم ما يواجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى المسلمين، وهذا الذي كان هو المقصود- على نطاق واسع- من الدعوة الإسلامية، والرسالة المحمدية، ولكن لم يكن هذا قضية طارئة. نعم كانت هناك مسائل- دون ذلك- كانت تقتضي الإستعجال.
كانت جماعة المسلمين مشتملة على قسمين: قسم هم في أرضهم وديارهم وأموالهم، لا يهمهم من ذلك إلا ما يهم الرجل وهو آمن في سربه، وهم الأنصار، وكان بينهم تنافر مستحكم وعداء مزمن منذ أمد بعيد. وكان بجانب هؤلاء قسم آخر- وهم المهاجرون- فاتهم كل ذلك، ونجوا بأنفسهم إلى المدينة، ليس لهم ملجأ يأوون إليه، ولا عمل يعملونه لمعيشتهم، ولا مال يبلغون به قواما من العيش، وكان عدد هؤلاء اللاجئين غير قليل، وكانوا يزيدون يوما فيوما، فقد كان أوذن بالهجرة لكل من آمن بالله ورسوله.
ومعلوم أن المدينة لم تكن على ثروة طائلة، فتزعزع ميزانها الإقتصادي، وفي هذه الساعة الحرجة قامت القوات المعادية للإسلام بشبه مقاطعة إقتصادية، قلت لأجلها المستوردات، وتفاقمت الظروف.

اسم الکتاب : الرحيق المختوم المؤلف : المباركفوري، صفي الرحمن    الجزء : 1  صفحة : 161
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست