بذورا صالحة، سرعان ما تحولت إلى شجرات باسقات، اتقى المسلمون في ظلالها الوارفة عن لفحات الظلم والطغيان طيلة أعوام.
وكان من حكمته صلى الله عليه وسلم- إزاء ما كان يلقى من أهل مكة من التكذيب والصد عن سبيل الله- أنه كان يخرج إلى القبائل في ظلام الليل، حتى لا يحول بينه وبينهم أحد من أهل مكة المشركين» .
خرج كذلك ليلة ومعه أبو بكر وعلي، فمر على منازل ذهل وشيبان بن ثعلبة وكلمهم في الإسلام. وقد دارت بين أبي بكر وبين رجل من ذهل أسئلة وردود طريفة، وأجاب بنو شيبان بأرجى الأجوبة، غير أنهم توقفوا في قبول الإسلام [2] .
ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقبة منى، فسمع أصوات رجال يتكلمون [3] ، فعمدهم حتى لحقهم، وكانوا ستة نفر من شباب يثرب، كلهم من الخزرج، وهم:
(1) أسعد بن زرارة (من بني النجار)
(2) عوف بن الحارث بن رفاعة، ابن عفراء (من بني النجار)
(3) رافع بن مالك بن العجلان (من بني زريق)
(4) قطبة بن عامر بن حديدة (من بني سلمة)
(5) عقبة بن عامر بن نابي (من بني حرام بن كعب)
(6) جابر بن عبد الله بن رئاب (من بني عبيد بن غنم)
وكان من سعادة أهل يثرب أنهم كانوا يسمعون من حلفائهم من يهود المدينة أن نبيا من الأنبياء مبعوث في هذا الزمان، سيخرج فنتبعه، ونقتلكم معه قتل عاد وإرم [4] .
فلما لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: من أنتم، قالوا: نفر من الخزرج، قال: من موالي اليهود؟ أي حلفائهم، قالوا: نعم. قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: بلى.
فجلسوا معه، فشرح لهم حقيقة الإسلام ودعوته، ودعاهم إلى الله عز وجل، وتلا عليهم القرآن. فقال بعضهم لبعض: تعلمون والله يا قوم، إنه للنبي الذي توعدكم به يهود، فلا تسبقنكم إليه فأسرعوا إلى إجابة دعوته وأسلموا.
(1) تاريخ إسلام للنجيب آبادي 1/ 129. [2] انظر مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي ص 150، 151، 152. [3] رحمة للعالمين 1/ 84. [4] زاد المعاد 2/ 50، وابن هشام 1/ 429، 541.