اسم الکتاب : الدعوة الإسلامية في عهدها المكي مناهجها وغاياتها المؤلف : رؤوف شلبي الجزء : 1 صفحة : 555
مستقبل هذه الأمراض الثلاثة, فجاءت الآيات القرآنية في مكة تمهد لذلك وتهيئ العقول لخطوات تثري فيما بعد.
الخمر:
أما فيما يتعلق بالخمر يقول الله تعالى:
{وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [1].
فيلقي ظلالا ذات معنى رفيع على الثمرات المنبثقة عن الحياة التي وهبها الله بالماء الذي أنزله من السماء، ثم يتخذ الناس منه سكرا ورزقا حسنا فيلمح إلى أن الرزق الحسن غير الخمر، وأن الخمر ليس لها نصيب من الاتصاف بالرزق الحسن، والعربي يفهم أن في المعاريض مندوحة عن التصريح, فيلحظ من خلال تفيؤ ظلال هذا المعنى أن هذه توطئة لحكم سيأتي، ويرشح لهذه التوطئة لفظ {تَتَّخِذُونَ} فالسكر من الثمرات الطيبات, فيه تدخل إرادة الإنسان وهو مشاهد معروف، وعجز الآية {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} مرشح ثان يفيد أن هذه التوطئة للحكم القادم, إنما يلحظها ويدركها العاقلون الذين يدركون أن الله الذي صنع لهم هذا الرزق, ووهبهم أسباب الحياة, هو الذي يستحق العبودية لجلاله وحده[2].
يقول فضيلة المرحوم الدكتور محمد عبد الله دراز:
ذلك أن القرآن في معالجته لهذه الأمراض المزمنة لا يأخذها بالعنف والمفاجأة بل يتلطف في السير على مراحل مترتبة متصاعدة. [1] الآية رقم 67 من سورة النحل. [2] راجع في ظلال القرآن ج14 ص78.
اسم الکتاب : الدعوة الإسلامية في عهدها المكي مناهجها وغاياتها المؤلف : رؤوف شلبي الجزء : 1 صفحة : 555