responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدعوة الإسلامية في عهدها المكي مناهجها وغاياتها المؤلف : رؤوف شلبي    الجزء : 1  صفحة : 5
وإن أشق مرحلة يصادفها كل رسول من الرسل إنما هي إقناع الناس برسالته وقد اختلفت وسائل هذا الإقناع واختلفت أساليبه.
ولقد بدأ الرسول الأمين -صلى الله عليه وسلم- كأسلافه بإثبات أنه رسول, وأنه متصل بالسماء، وأن الذي يأتيه إنما هو وحي يوحى، ولكن العرب سخروا من دعوته فتحداهم بعنف, وتحداهم متدرجا بهم، ومع أنهم أساطين البلاغة وأهل الفراسة غير أنهم أفحموا وانتهى الأمر إلى أن الذي يأتيه إنما هو وحي من عند الله.
قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} .
لقد لبث فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قبل أربعين عاما ولم يحدثهم بنبوة، ولم يحدثهم برسالة، ولم يكن من مشاهير رجال الشعر، فلم الشك في أمره؟ مع أنه -صلى الله عليه وسلم- لو أخبرهم أن خيلا وراء هذ الوادي تريد أن تغير عليهم لصدقوه، لقد قالوا له: ما عهدنا عليك كذبا. فلم الشك في أمره؟ {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} .
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} .
إنه صلوات الله عليه وسلامه بشر، وما يجول في خلد مسلم قط أن يخرجه عن البشرية، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- بشر خاص. إنه بشر يوحى إليه، وما يتأتى قط أن يوحى إليه إلا وقد اصطفاه الله.

وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [الشورى: 14, 15] .
ولقد صادفت هذه الدعوة من القوى المعادية لها مثلما تصادفه اليوم.
لقد صادفت من العلمانيين أصحاب الشهوة والملذات والمنفعة الشخصية صدا بالحرب، والإشاعة، والصد، والقطيعة, وجلب الفكر المعادي, كما صادفت الصليبية بقسميها: المتعصبة والعسكرية الغازية.
كذلك لم يمهل اليهود عمر الدعوة منذ سمعوا عن بعثة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فألبوا عليه الخصوم من بعيد، ثم شرعوا أسنة الرماح وحاكوا جلابيب الغدر والخيانة وزينوا للنفاق والمنافقين مقاعد في حصونهم.
وبنفس الأسلحة المعاصرة:
التقدمية في لغة الشيوعيين.
القومية في لغة العلمانيين.
الدهاء والمراوغة والإشاعة في لغة المنافقين.
اللقاء الروحي والسلام الاجتماعي في لغة الماجنين.
والاعتقالات، والسجون، والحصار الاقتصادي، والزحف العسكري، والتضليل السياسي. كل ذلك واجهته الدعوة منذ عهدها المكي. لكنها استطاعت أن تتخطى الحواجز، وأن تتغلب على الصعاب لأنها لم ترتجل العمل ارتجالا، ولا ركنت إلى المعجزات كوسيلة، بل اتخذت لها -كما أراد لها ربها- المناهج، والمراحل، والوسائل، وساوقت بين المرحلة، والوسيلة، والمنهج حتى صنعت جماعة لا تعرف العرقية، ولا العصبية ولا الثأر للذات، ولا التفاني

اسم الکتاب : الدعوة الإسلامية في عهدها المكي مناهجها وغاياتها المؤلف : رؤوف شلبي    الجزء : 1  صفحة : 5
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست