responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدرر في اختصار المغازي والسير المؤلف : ابن عبد البر    الجزء : 1  صفحة : 143
ذَلِك". فَمَكثَ مُحَمَّد بْن مسلمة أَيَّامًا مَشْغُول النَّفس بِمَا وعد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نَفسه فِي قتل ابْن الْأَشْرَف، وأتى أَبَا نائلة سلكان[1] بْن سَلامَة بْن وقش وَكَانَ أَخا كَعْب بْن الْأَشْرَف من الرضَاعَة وَعباد بْن بشر بْن وقش والْحَارث بْن أَوْس بْن معَاذ وَأَبا عبس[2] بْن جبر، فأعلمهم بِمَا وعد بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قتل ابْن الْأَشْرَف، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك، وَقَالُوا: كلنا يَا رَسُول اللَّه نَقْتُلهُ. ثمَّ أَتَوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم، قَالُوا: يَا رَسُول اللَّه إِنَّه لَا بُد لنا أَن نقُول[3]، فَقَالَ: "قُولُوا مَا بدا لكم فَأنْتم فِي حل" *.
ثمَّ قدمُوا إِلَى كَعْب بْن الْأَشْرَف أَبَا نائلة، فَجَاءَهُ وتحدث مَعَه سَاعَة، وتناشدا الشّعْر. وَكَانَ أَبُو نائلة يَقُول الشّعْر أَيْضا، فَقَالَ لَهُ أَبُو نائلة: يَا بْن الْأَشْرَف إِنِّي جِئْت فِي حَاجَة أذكرها لَك فاكتم عَليّ، قَالَ: أفعل. قَالَ: إِن قدوم هَذَا الرجل[4] علينا بلَاء من الْبلَاء، عادتنا الْعَرَب ورمتنا عَن قَوس وَاحِدَة، وَقطعت عَنَّا السبل حَتَّى ضَاعَ الْعِيَال وجهدت الْأَنْفس وأصبحنا قد جهدنا. فَقَالَ كَعْب: أَنا ابْن الْأَشْرَف أما وَالله لقد كنت أحَدثك يَا بن سَلامَة أَن أَمركُم سيصير إِلَى هَذَا* *. فَقَالَ لَهُ سلكان: إِنِّي أُرِيد أَن تبيعنا طَعَاما ونرهنك ونوثق لَك ونحسن فِي ذَلِك، قَالَ: أترهنوني أبناءكم أَو نساءكم، قَالَ: لقد أردْت أَن تفضحنا، أَنْت أجمل[5] الْعَرَب فَكيف نرهنك نِسَاءَنَا؟! وَكَيف نرهنك أبناءنا فيعير أحدهم، فَيُقَال: رَهْنُ وَسَقٍ[6] وَرهن وسقين؟! إِن معي أصحابا على

[1] فِي ابْن سيد النَّاس 1/ 303 أَن اسْمه سعد.
[2] فِي ابْن سيد النَّاس أَن اسْمه عبد الرَّحْمَن.
[3] أَي يَقُولُونَ فِي الرَّسُول مَا لَا يَعْتَقِدُونَ؛ خدعة لَهُ على سَبِيل جَوَاز ذَلِك مَعَ الْأَعْدَاء فِي الْحَرْب.
* قلت: وَهَا هُنَا لَطِيفَة، وَذَلِكَ أَنهم أستأذنوه عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَن ينالوا مِنْهُ بألسنتهم استدراجا لِلْعَدو فَأذن لَهُم. وَقد اسْتَقر أَن النّيل من عرضه عَلَيْهِ السَّلَام كفر، وَأَن الْكفْر لَا يُبَاح إِلَّا بِالْإِكْرَاهِ لمن قلبه مطمئن بِالْإِيمَان، وَأَيْنَ الْإِكْرَاه هَا هُنَا؟ وَالْجَوَاب عَن ذَلِك أَن كَعْب بن الْأَشْرَف كَانَ يحرض على قتل الْمُسلمين، وَكَانَ فِي قَتله صَلَاح وخلاص الْمُسلمين من ذَلِك، فَكَأَنَّهُ أكره النَّاس على النُّطْق بِهَذَا الْكَلَام، بتعريضه إيَّاهُم للْقَتْل، فدفعوا عَن أنفسهم بألسنتهم مَعَ أَن قُلُوبهم مطمئنة بِالْإِيمَان. وَالْحَمْد لله.
[4] هَذَا الرجل: أَي الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
* * وَانْظُر كَيفَ اقتصروا مَعَه على المعاريض لِأَن الْبلَاء يكون نعْمَة وَيكون نقمه، قَالَ الله تَعَالَى: {وليبلي الْمُؤمنِينَ مِنْهُ بلَاء حسنا} والمسلمون أَرَادوا بلَاء النِّعْمَة، وَالْكَافِر ظن أَنهم أَرَادوا بلَاء النقمَة. وَلِهَذَا قَالَ بعض الْعلمَاء: لَا يكون الْإِكْرَاه عذرا إِلَّا عِنْد المعاريض، وَهُوَ صَوَاب إِن شَاءَ الله.
[5] فِي بعض الرِّوَايَات: وَأَنت أشب أهل يثرب وأعطرهم.
[6] وسق: حمل بعير.
اسم الکتاب : الدرر في اختصار المغازي والسير المؤلف : ابن عبد البر    الجزء : 1  صفحة : 143
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست