responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدرر في اختصار المغازي والسير المؤلف : ابن عبد البر    الجزء : 1  صفحة : 102
غَزْوَة بدر الثَّانِيَة
وَهِي أعظم الْمشَاهد فضلا لمن شَهِدَهَا 1
فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بعد بعث عَبْد اللَّهِ بْن جحش بَاقِي رَجَب وَشَعْبَان. ثمَّ اتَّصل بِهِ فِي رَمَضَان أَن عيرًا لقريش عَظِيمَة، فِيهَا أَمْوَال لَهُم كَثِيرَة مقبلة من الشَّام إِلَى مَكَّة مَعهَا ثَلَاثُونَ[2] أَو أَرْبَعُونَ رجلا، رئيسهم أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب، وَفِيهِمْ عَمْرو بْن الْعَاصِ ومخرمة بْن نَوْفَل الزُّهْرِيّ. فندب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسلمين إِلَى تِلْكَ العير، وَأمر من كَانَ ظَهره[3] حَاضرا بِالْخرُوجِ. وَلم يحتفل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فِي الحشد] لِأَنَّهُ أَرَادَ العير وَلم يعلم أَنه يلقى حَربًا.
فاتصل بِأبي سُفْيَان أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد خرج فِي طَلَبهمْ، فاستأجر ضَمْضَم[4] بْن عَمْرو الْغِفَارِيّ، فَبَعثه إِلَى مَكَّة مستصرخا لَهُم إِلَى نصر عيرهم. فَنَهَضَ إِلَى مَكَّة وهتف بهَا، واستنفر. فَخرج أَكثر أهل مَكَّة فِي ذَلِك النفير، وَلم يتَخَلَّف من أَشْرَافهم إِلَّا أقلهم. وَكَانَ فِيمَن تخلف من أَشْرَافهم أَبُو لَهب.
وَخرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْمَدِينَة لثمان[5] خلون من رَمَضَان، وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة عَمْرو[6] بْن أم مَكْتُوم العامري ليُصَلِّي بِالْمُسْلِمين. ثمَّ رد أَبَا لبَابَة من الروحاء[7] وَاسْتَعْملهُ على الْمَدِينَة. وَدفع اللِّوَاء إِلَى مُصعب بْن عُمَيْر. وَدفع الرَّايَة: الْوَاحِدَة إِلَى عَليّ، وَالثَّانيَِة إِلَى رجل من الْأَنْصَار، وكانتا سوداوين. وَكَانَت راية الْأَنْصَار يَوْمئِذٍ مَعَ سعد بْن8

1 انْظُر فِي غَزْوَة بدر الْكُبْرَى أَو الثَّانِيَة ابْن هِشَام [2]/ 257 والواقدي ص11 وَابْن سعد ج[2] ق[1] ص6 وأنساب الْأَشْرَاف [1]/ 135 والطبري [2]/ 421 وصحيح البُخَارِيّ 5/ 72 وصحيح مُسلم بشرح النَّوَوِيّ 12/ 124 وَابْن حزم ص107 وَابْن سيد النَّاس [1]/ 241 وَابْن كثير 3/ 256 والسيرة الحلبية [2]/ 189 والنويري 17/ 10.
[2] فِي بعض المصادر أَنه كَانَ مَعَ أبي سُفْيَان سَبْعُونَ رجلا، وَأَن العير كَانَت تضم ألف بعير.
[3] ظَهره: بعيره.
[4] أحد أدلاء القوافل فِي الْجَاهِلِيَّة.
[5] هَكَذَا قَالَ ابْن هِشَام نقلا عَن ابْن إِسْحَاق، وَقَالَ ابْن سعد هَذَا الْخُرُوج كَانَ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَان.
[6] وَيُسمى أَيْضا عبد الله بن أم مَكْتُوم.
[7] الروحاء: مَوضِع على نَحْو ثَلَاثِينَ ميلًا من الْمَدِينَة.
8 قَالَ ابْن سعد: كَانَ لِوَاء الْخَزْرَج مَعَ الْحباب بن الْمُنْذر، ولواء الْأَوْس مَعَ سعد بن معَاذ.
فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} *.
وَقبل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِدَاء فِي الْأَسِيرين، فَأَما عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ فَمَاتَ بِمَكَّة كَافِرًا، وَأما الحكم بْن كيسَان فَأسلم وَأقَام مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتشْهد ببئر مَعُونَة. وَرجع سعد وَعتبَة إِلَى الْمَدِينَة سَالِمَيْنِ.
صرف الْقبْلَة 1
وصرفت الْقبْلَة عَن بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْكَعْبَة فِي السّنة الثَّانِيَة على رَأس سِتَّة عشر شهرا، وَقيل سَبْعَة عشر شهرا من مقدم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة، وَذَلِكَ قبل بدر بشهرين. وَقد ذكرنَا الِاخْتِلَاف فِي الصَّلَاة بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة هَل كَانَت إِلَى الْكَعْبَة أَو إِلَى بَيت الْمُقَدّس؟ وَالرِّوَايَات بِالْوَجْهَيْنِ فِي كتاب التَّمْهِيد وَفِي كتاب الاستذكار[2]. وَرُوِيَ أَن أول من صلى إِلَى الْكَعْبَة حِين صرفت الْقبْلَة عَن بَيت الْمُقَدّس أَبُو سعيد بْن الْمُعَلَّى، وَذَلِكَ أَنه سمع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخْطب بتحويل الْقبْلَة، فَقَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ إِلَى الْكَعْبَة.

* قلت: فِي هَذَا الحَدِيث "أَي حَدِيث الْغَزْوَة" دَلِيل على تسويغ الِاجْتِهَاد فِي زَمَنه عَلَيْهِ السَّلَام، فَإِن عبد الله بن جحش أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى قسْمَة الْغَنِيمَة كَمَا شَاءَ، وَتَخْصِيص الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخمس. فصوب الْحق اجْتِهَاده وأمضاه فَإِن قلت: كَيفَ أنكر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتلهمْ لمن قَتَلُوهُ فِي الشَّهْر الْحَرَام ثمَّ نزل الْقُرْآن بتصويب فعلهم؟ قلت: لم يصوب الْقُرْآن شَيْئا أنكرهُ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام، وَلكنه قرر أَن الْقِتَال مُنكر كَمَا أنكرهُ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام، وَلكنه قرر أَيْضا أَن فعل الْجَاهِلِيَّة أَشد نكرا. لِأَن فعلهم الْكفْر وَقطع الطَّرِيق على الْحجَّاج وإثارة الْفِتْنَة، فَقطع الله احتجاجهم على الْمُسلمين بِأَن الْجَاهِلِيَّة أولى بالإنكار وأجدر برد الْأَعْذَار وَالله الْمُسْتَعَان.
[1] انْظُر فِي صرف الْقبْلَة ابْن هِشَام 2/ 257 وَابْن سعد ج1 ق2 ص3 وصحيح مُسلم بشرح النَّوَوِيّ 5/ 9 وصحيح البُخَارِيّ 1/ 84 والطبري 2/ 415 وَابْن حزم ص106 وَابْن سيد النَّاس 1/ 230 وَابْن كثير 3/ 252 والنويري 16/ 397.
[2] نقل ابْن سيد النَّاس الرِّوَايَات الْمَذْكُورَة واختلافها فِي أَن الرَّسُول كَانَ أول مَا صلى يسْتَقْبل الْكَعْبَة وَهُوَ لَا يزَال بِمَكَّة ثمَّ تحول عَنْهَا فِي الْمَدِينَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس. وَقيل إِنَّه تحول عَنْهَا وَهُوَ لَا يزَال بِمَكَّة. وَقيل بل كَانَ يُصَلِّي فِي مَكَّة مُسْتَقْبلا بَيت الْمُقَدّس حَتَّى صرفه الله عَنهُ فِي الْمَدِينَة إِلَى الْكَعْبَة. وَاسْتحْسن ابْن عبد الْبر قَول من قَالَ أَنه كَانَ بِمَكَّة يصلى مُسْتَقْبل الْقبْلَتَيْنِ مَعًا يَجْعَل الْكَعْبَة بَينه وَبَين بَيت الْمُقَدّس انْظُر ابْن سيد النَّاس 1/ 236.
اسم الکتاب : الدرر في اختصار المغازي والسير المؤلف : ابن عبد البر    الجزء : 1  صفحة : 102
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست