responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 52
قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَمُبَادَرَةً لِعَوَائِقِ الزَّمَانِ أَنْ يُعَوِّقَ عَنِ الْخَيْرَاتِ، وَعِلْمًا بِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ آفَاتٌ مَعَ مَا يَتَعَرَّضُ الْعَبْدُ لَهُ مِنَ الْعِصْيَانِ لَوْ أَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ. وَمَهْمَا ظَهَرَتْ دَاعِيَةُ الْخَيْرِ مِنَ الْبَاطِنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَغْتَنِمَ فَإِنَّ ذَلِكَ لِمَّةُ الْمَلَكِ وَمَا أَسْرَعَ تَقَلُّبَ الْمُؤْمِنِ وَ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) [الْبَقَرَةِ: 268] وَالْمُنْكَرُ وَلَهُ لِمَّةٌ عَقِيبَ لِمَّةِ الْمَلَكِ فَلْيَغْتَنِمِ الْفُرْصَةَ فِيهِ.

[الثَّالِثَةُ] : الْإِسْرَارُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ عَنِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ. قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [الْبَقَرَةِ: 271] وَقَدْ بَالَغَ فِي فَضْلِ الْإِخْفَاءِ جَمَاعَةٌ حَتَّى اجْتَهَدُوا أَنْ لَا يَعْرِفَ الْقَابِضُ الْمُعْطِي، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُوصِلُ إِلَى يَدِ الْفَقِيرِ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَعْرِفُ الْمُعْطِيَ، وَكَانَ يَسْتَكْتِمُ الْمُتَوَسِّطَ شَأْنَهُ وَيُوصِيهِ بِأَنْ لَا يُفْشِيهِ، كُلُّ ذَلِكَ تَوَصُّلًا إِلَى رِضَاءِ الرَّبِّ وَاحْتِرَازًا مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَمَهْمَا كَانَتِ الشُّهْرَةُ مَقْصُودَةً لَهُ حَبِطَ عَمَلُهُ.

[الرَّابِعَةُ] : أَنْ يَظْهَرَ حَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ فِي إِظْهَارِهِ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الِاقْتِدَاءِ وَيَحْرُسُ سِرَّهُ مِنْ دَاعِيَةِ الرِّيَاءِ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) [الْبَقَرَةِ: 271] وَذَلِكَ حَيْثُ يَقْتَضِي الْحَالُ الْإِبْدَاءَ إِمَّا لِلِاقْتِدَاءِ وَإِمَّا لِأَنَّ السَّائِلَ إِنَّمَا سَأَلَ عَلَى مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ التَّصَدُّقَ خِيفَةً مِنَ الرِّيَاءِ فِي الْإِظْهَارِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ وَيَحْفَظَ سِرَّهُ عَنِ الرِّيَاءِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْإِظْهَارِ مَحْذُورًا ثَالِثًا سِوَى الْمَنِّ وَالرِّيَاءِ وَهُوَ هَتْكُ سِتْرِ الْفَقِيرِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَتَأَذَّى بِأَنْ يُرَى فِي صُورَةِ الْمُحْتَاجِ، فَمَنْ أَظْهَرَ السُّؤَالَ فَهُوَ الَّذِي هَتَكَ سِتْرَ نَفْسِهِ فَلَا يُحْذَرُ هَذَا الْمَعْنَى فِي إِظْهَارِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً) [الرَّعْدِ: 22، وَفَاطِرٍ: 29] نَدَبَ إِلَى الْعَلَانِيَةِ أَيْضًا لِمَا فِيهَا مِنْ فَائِدَةِ التَّرْغِيبِ. فَلْيَكُنِ الْعَبْدُ دَقِيقَ التَّأَمُّلِ فِي وَزْنِ هَذِهِ الْفَائِدَةِ بِالْمَحْذُورِ الَّذِي فِيهَا، وَمَنْ عَرَفَ الْفَوَائِدَ وَالْغَوَائِلَ وَلَمْ يَنْظُرْ بِعَيْنِ الشَّهْوَةِ اتَّضَحَ لَهُ الْأَوْلَى وَالْأَلْيَقَ بِكُلِّ حَالٍ.

[الْخَامِسَةُ] : أَنْ لَا يُفْسِدَ صَدَقَتَهُ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) [الْبَقَرَةِ: 264] وَالْمَنُّ أَنْ يَذْكُرَهَا وَيَتَحَدَّثَ بِهَا أَوْ يَسْتَخْدِمَهُ بِالْعَطَاءِ أَوْ يَتَكَبَّرَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ عَطَائِهِ، وَالْأَذَى أَنْ يُظْهِرَهَا أَوْ يُعَيِّرَهُ بِالْفَقْرِ أَوْ يَنْتَهِرَهُ أَوْ يُوَبِّخَهُ بِالْمَسْأَلَةِ. وَأَصْلُ الْمَنِّ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ مُحْسِنًا إِلَى الْفَقِيرِ وَمُنْعِمًا عَلَيْهِ، وَحَقُّهُ أَنْ يَرَى الْفَقِيرَ مُحْسِنًا إِلَيْهِ بِقَبُولِ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ الَّذِي هُوَ طُهْرَتُهُ وَنَجَاتُهُ مِنَ النَّارِ، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ لَبَقِيَ مُرْتَهِنًا بِهِ، فَحَقُّهُ أَنْ يَتَقَلَّدَ مِنَّةَ الْفَقِيرِ، وَمَهْمَا عَرَفَ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذِكْرُهَا فِي الْفَصْلِ قَبْلُ لَمْ يَرَ نَفْسَهُ مُحْسِنًا إِلَّا إِلَى نَفْسِهِ إِمَّا بِبَذْلِ مَالِهِ إِظْهَارًا لِحُبِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ تَطْهِيرًا لِنَفْسِهِ عَنْ رَذِيلَةِ الْبُخْلِ أَوْ شُكْرًا عَلَى نِعْمَةِ الْمَالِ طَلَبًا لِلْمَزِيدِ.
وَأَمَّا الْأَذَى فَمَنْبَعُهُ رُؤْيَتُهُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنَ الْفَقِيرِ، وَهَذَا جَهْلٌ لِأَنَّهُ لَوْ عَرَفَ فَضْلَ الْفَقْرِ عَلَى الْغِنَى وَخَطَرَ الْأَغْنِيَاءِ لَمَا اسْتَحْقَرَ الْفَقِيرَ، بَلْ تَمَنَّى دَرَجَتَهُ، كَيْفَ وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَتْجَرَةً لَهُ حَتَّى يُخَلِّصَهُ مِنْ عُهْدَتِهِ بِقَبُولِهِ مِنْهُ.

[السَّادِسَةُ] : أَنْ يَسْتَصْغِرَ الْعَطِيَّةَ فَإِنَّهُ إِنِ اسْتَعْظَمَهَا أُعْجِبَ بِهَا، وَالْعُجْبُ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 52
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست