responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 329
جُمْلَةِ أَحْوَالِهِمْ، وَانْظُرْ إِلَى تَفَاوُتِ الدَّرَكَاتِ، فَإِنَّ الْآخِرَةَ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا، فَكَمَا أَنَّ إِكْبَابَ النَّاسِ عَلَى الدُّنْيَا يَتَفَاوَتُ، فَمِنْهُمْ مُنْهَمِكٌ مُسْتَكْثِرٌ كَالْغَرِيقِ فِيهَا، وَمِنْ خَائِضٍ فِيهَا إِلَى حَدٍّ مَحْدُودٍ، فَكَذَلِكَ تَنَاوُلُ النَّارِ لَهُمْ مُتَفَاوِتٌ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، فَلَا تَتَرَادَفُ أَنْوَاعُ الْعَذَابِ عَلَى كُلِّ مَنْ فِي النَّارِ كَيْفَمَا كَانَ، بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ مَعْلُومٌ عَلَى قَدْرِ عِصْيَانِهِ وَذَنْبِهِ، إِلَّا أَنَّ أَقَلَّهُمْ عَذَابًا لَوْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا لَافْتَدَى بِهَا مِنْ شِدَّةِ مَا هُوَ فِيهِ. فَيَا لَحَسْرَةِ هَؤُلَاءِ وَقَدْ بُلُوا بِمَا بُلُوا بِهِ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا.
فَانْظُرْ يَا مِسْكِينُ فِي هَذِهِ الْأَهْوَالِ، وَالْعَجَبُ مِنْكَ حَيْثُ تَضْحَكُ وَتَلْهُو وَتَشْتَغِلُ بِمُحَقَّرَاتِ الدُّنْيَا وَلَسْتَ تَدْرِي بِمَاذَا سَبَقَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّكَ (فَإِنْ قُلْتَ) فَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا مَوْرِدِي، وَإِلَى مَاذَا مَآلِي وَمَرْجِعِي، وَمَا الَّذِي سَبَقَ بِهِ الْقَضَاءُ فِي حَقِّي، فَلَكَ عَلَامَةٌ تَسْتَأْنِسُ بِهَا وَتُصَدِّقُ رَجَاءَكَ بِسَبَبِهَا، وَهُوَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى أَحْوَالِكَ وَأَعْمَالِكَ فَإِنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ يُسِرَّ لَكَ سَبِيلُ الْخَيْرَاتِ فَأَبْشِرْ فَإِنَّكَ مُبْعَدٌ عَنِ النَّارِ، وَإِنْ كُنْتَ لَا تَقْصِدُ خَيْرًا إِلَّا وَتُحِيطُ بِكَ الْعَوَائِقُ فَتَدْفَعُهُ وَلَا تَقْصِدُ شَرًا إِلَّا وَيَتَسَيَّرُ لَكَ أَسْبَابُهُ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ مَقْضِيٌّ عَلَيْكَ، فَإِنَّ دَلَالَةَ هَذَا عَلَى الْعَاقِبَةِ كَدَلَالَةِ الْمَطَرِ عَلَى النَّبَاتِ وَدَلَالَةِ الدُّخَانِ عَلَى النَّارِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الِانْفِطَارِ: 13 وَ 14] فَاعْرِضْ نَفْسَكَ عَلَى الْآيَتَيْنِ وَقَدْ عَرَفْتَ مُسْتَقَرَّكَ مِنَ الدَّارَيْنِ.

صِفَةُ الْجَنَّةِ وَأَصْنَافُ نَعِيمِهَا
اعْلَمْ أَنَّ تِلْكَ الدَّارَ الَّتِي عَرَفْتَ هُمُومَهَا وَغُمُومَهَا يُقَابِلُهَا دَارٌ أُخْرَى، فَتَأَمَّلْ فِي نَعِيمِهَا وَسُرُورِهَا، فَإِنَّ مَنْ بَعُدَ مِنْ إِحْدَاهُمَا اسْتَقَرَّ لَا مَحَالَةَ فِي الْأُخْرَى، فَسُقْ نَفْسَكَ بِسَوْطِ التَّقْوَى لِتَنَالَ الْمُلْكَ الْعَظِيمَ، وَتَسْلَمَ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، فَتَفَكَّرْ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ وَفِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ، يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ، جَالِسِينَ عَلَى مَنَابِرِ الْيَاقُوتِ، مُتَّكِئِينَ عَلَى أَرَائِكَ مَنْصُوبَةٍ عَلَى أَطْرَافِ أَنْهَارٍ مُطَّرِدَةٍ بِالْخَمْرِ وَالْعَسَلِ، مَحْفُوفَةٍ بِالْغِلْمَانِ وَالْوِلْدَانِ، مُزَيَّنَةٍ بِالْحُورِ الْعِينِ مِنَ الْخَيْرَاتِ الْحِسَانِ، كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ، لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ، يَنْظُرُونَ فِيهَا إِلَى وَجْهِ الْمَلِكِ الْكَرِيمِ وَقَدْ أَشْرَقَتْ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ، وَهُمْ فِيمَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ، لَا يَخَافُونَ فِيهَا وَلَا يَحْزَنُونَ، وَمِنْ رَيْبِ الْمَنُونِ آمِنُونَ. فَيَا عَجَبًا لِمَنْ يُؤْمِنُ بِدَارٍ هَذِهِ صِفَتُهَا، وَيُوقِنُ بِأَنَّهُ لَا يَمُوتُ أَهْلُهَا وَلَا تَحِلُّ الْفَجَائِعُ بِمَنْ نَزَلَ بِفَنَائِهَا، كَيْفَ يَأْنَسُ وَيَتَهَنَّأُ بِعَيْشٍ دُونَهَا، وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا سَلَامَةُ الْأَبْدَانِ، مَعَ الْأَمْنِ مِنَ الْمَوْتِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَسَائِرِ أَصْنَافِ الْحَدَثَانِ، لَكَانَ جَدِيرًا بِأَنْ يَهْجُرَ الدُّنْيَا بِسَبَبِهَا، وَأَنْ لَا يُؤْثِرَ عَلَيْهَا مَا التَّصَرُّمُ وَالتَّنَغُّصُ مِنْ ضَرُورَتِهِ، كَيْفَ وَأَهْلُهَا مُلُوكٌ آمِنُونَ، وَفِي أَنْوَاعِ السُّرُورِ مُمَتَّعُونَ، لَهُمْ فِيهَا كُلُّ مَا يَشْتَهُونَ، وَإِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ يَنْظُرُونَ، وَيَنَالُونَ بِالنَّظَرِ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَنْظُرُونَ مَعَهُ إِلَى سَائِرِ نَعِيمِ الْجِنَانِ، وَمَهْمَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ صِفَةَ الْجَنَّةِ فَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ وَرَاءَ بَيَانِ اللَّهِ تَعَالَى بَيَانٌ، وَاقْرَأْ قَوْلَهُ

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 329
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست