responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 323
وَسَبَبُ التَّأْخِيرِ هُوَ الْأُنْسُ بِالدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا وَالتَّسْوِيفُ، فَلَا يَزَالُ يُسَوِّفُ وَيُؤَخِّرُ وَلَا يَخُوضُ فِي شُغُلٍ إِلَّا وَيَتَعَلَّقُ بِإِتْمَامِ ذَلِكَ الشُّغُلِ عَشَرَةُ أَشْغَالٍ أُخَرَ، وَهَكَذَا عَلَى التَّدَرُّجِ يُؤَخِّرُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ وَيُفْضِي بِهِ شُغُلٌ إِلَى شُغُلٍ بَلْ إِلَى أَشْغَالٍ إِلَى أَنْ تَخْطَفَهُ الْمَنِيَّةُ فِي وَقْتٍ لَا يَحْتَسِبُهُ فَتَطُولُ عِنْدَ ذَلِكَ حَسْرَتُهُ ; وَأَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ وَصِيَاحُهُمْ مِنْ " سَوْفَ " يَقُولُونَ: " وَاحُزْنَاهُ مِنْ " سَوْفَ " وَالْمُسَوِّفُ الْمِسْكِينُ لَا يَدْرِي أَنَّ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَى التَّسْوِيفِ الْيَوْمَ هُوَ مَعَهُ غَدًا، وَإِنَّمَا يَزْدَادُ بِطُولِ الْمُدَّةِ قُوَّةً وَرُسُوخًا، وَيَظُنُّ أَنَّهُ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لِلْخَائِضِ فِي الدُّنْيَا فَرَاغٌ قَطُّ، هَيْهَاتَ فَمَا يَفْرَغُ مِنْهَا إِلَّا مَنِ اطَّرَحَهَا.
فَمَا قَضَى أَحَدٌ مِنْهَا لُبَانَتَهُ ... وَمَا انْتَهَى أَرَبٌ إِلَّا إِلَى أَرَبِ
نَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ لَا يَجْعَلَ لَنَا بَعْدَ الْمَوْتِ حَسْرَةً إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ.

بَيَانُ سَكْرَةِ الْمَوْتِ وَالِاعْتِبَارُ بِالْجَنَائِزِ وَزِيَارَةِ الْقُبُورِ:
اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيِ الْعَبْدِ الْمِسْكِينِ كَرْبٌ وَلَا هَوْلٌ وَلَا عَذَابٌ سِوَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ بِمُجَرَّدِهَا لَكَانَ جَدِيرًا بِأَنْ يَتَنَغَّصَ عَلَيْهِ عَيْشُهُ وَيَتَكَدَّرَ عَلَيْهِ سُرُورُهُ وَيُفَارِقَهُ سَهْوُهُ وَغَفْلَتُهُ، وَحَقِيقًا بِأَنْ يُطَوِّلَ فِيهِ فِكْرَهُ وَيُعَظِّمَ لَهُ اسْتِعْدَادَهُ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ فِي كُلِّ نَفَسٍ بِصَدَدِهِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: «كَرْبٌ بِيَدِ سِوَاكَ لَا تَدْرِي مَتَى يَغْشَاكَ» .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَنَائِزَ عِبْرَةٌ لِلْبَصِيرِ، وَفِيهَا تَنْبِيهٌ وَتَذْكِيرٌ لَا لِأَهْلِ الْغَفْلَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَزِيدُهُمْ مُشَاهَدَتُهَا إِلَّا قَسْوَةً؛ لِأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ أَبَدًا إِلَى جِنَازَةِ غَيْرِهِمْ يَنْظُرُونَ، وَلَا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ لَا مَحَالَةَ عَلَى الْجَنَائِزِ يُحْمَلُونَ، أَوْ يَحْسَبُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ عَلَى الْقُرْبِ لَا يَقَدِّرُونَ وَلَا يَتَفَكَّرُونَ أَنَّ الْمَحْمُولِينَ عَلَى الْجَنَائِزِ هَكَذَا يَحْسَبُونَ، فَبَطَلَ حُسْبَانُهُمْ، وَانْقَرَضَ عَلَى الْقُرْبِ زَمَانُهُمْ. فَلَا يَنْظُرُ عَبْدٌ إِلَى جِنَازَةٍ إِلَّا وَيُقَدِّرُ نَفْسَهُ مَحْمُولًا عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهَا عَلَى الْقُرْبِ وَكَأَنْ قَدْ، وَلَعَلَّهُ فِي غَدٍ أَوْ بَعْدَ غَدٍ، قَالَ «ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ» : «كُنَّا نَشْهَدُ الْجَنَائِزَ فَلَا نَرَى إِلَّا مُتَقَنِّعًا بَاكِيًا، فَهَكَذَا كَانَ خَوْفُهُمْ مِنَ الْمَوْتِ، وَالْآنَ لَا نَنْظُرُ إِلَى جَمَاعَةٍ يَحْضُرُونَ جِنَازَةً إِلَّا وَأَكْثَرُهُمْ يَضْحَكُونَ وَيَلْهُونَ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا فِي مِيرَاثِهِ وَمَا خَلَّفَهُ لِوَرَثَتِهِ، وَلَا يَتَفَكَّرُ أَقْرَانُهُ وَأَقَارِبُهُ إِلَّا فِي الْحِيلَةِ الَّتِي بِهَا يَتَنَاوَلُ بَعْضَ مَا خَلَّفَهُ، وَلَا يَتَفَكَّرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ فِي جِنَازَةِ نَفْسِهِ فِي حَالِهِ إِذَا حُمِلَ عَلَيْهَا. وَلَا سَبَبَ لِهَذِهِ الْغَفْلَةِ إِلَّا قَسْوَةُ الْقُلُوبِ بِكَثْرَةِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ حَتَّى نَسِينَا اللَّهَ تَعَالَى وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَالْأَهْوَالَ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا، فَصِرْنَا نَلْهُو وَنَغْفُلُ وَنَشْتَغِلُ بِمَا لَا يُغْنِينَا.
فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْيَقَظَةَ مِنْ هَذِهِ الْغَفْلَةِ.
فَمِنْ آدَابِ حُضُورِ الْجِنَازَةِ: التَّفَكُّرُ وَالتَّنَبُّهُ وَالِاسْتِعْدَادُ وَالْمَشْيُ أَمَامَهَا عَلَى هَيْئَةِ التَّوَاضُعِ، وَمِنْ آدَابِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِالْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، وَإِسَاءَةُ الظَّنِّ بِالنَّفْسِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الصَّلَاحَ، فَإِنَّ الْخَاتِمَةَ مَخْطَرَةٌ لَا يُدْرَى حَقِيقَتُهَا.

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 323
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست