responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 322
وَمَجَالِسُهُمْ وَانْقَطَعَتْ آثَارُهُمْ، وَأَنَّهُ مِثْلُهُمْ وَسَتَكُونُ عَاقِبَتُهُ كَعَاقِبَتِهِمْ. فَمُلَازَمَةُ هَذِهِ الْأَفْكَارِ مَعَ دُخُولِ الْمَقَابِرِ وَمُشَاهَدَةِ الْمَرْضَى هُوَ الَّذِي يُجَدِّدُ ذِكْرَ الْمَوْتِ فِي الْقَلْبِ فَيَسْتَعِدُّ لَهُ وَيَتَجَافَى عَنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَمَهْمَا طَابَ قَلْبُهُ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَذَكَّرَ فِي الْحَالِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَتِهِ.
نَظَرَ «ابن مطيع» ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى دَارِهِ فَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَوْلَا الْمَوْتُ لَكُنْتُ بِكِ مَسْرُورًا، وَلَوْلَا مَا نَصِيرُ إِلَيْهِ مِنْ ضِيقِ الْقُبُورِ لَقَرَّتْ بِالدُّنْيَا أَعْيُنُنَا» ثُمَّ بَكَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

فَضِيلَةُ قِصَرِ الْأَمَلِ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ» : «إِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَخُذْ مِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ وَمِنْ صِحَّتِكَ لِسَقَمِكَ» .
وَعَنْ «علي» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَفَعَهُ: «إِنَّ أَشَدَّ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ خَصْلَتَانِ: اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ، فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَإِنَّهُ يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَإِنَّهُ الْحُبُّ لِلدُّنْيَا» .
وَسَبَبُ طُولِ الْأَمَلِ: حُبُّ الدُّنْيَا وَالْأُنْسُ بِهَا وَالْجَهْلُ بِاسْتِبْعَادِ الْمَوْتِ فَجْأَةً، وَلَا يَدْرِي أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ بَعِيدٍ، فَإِنَّ الْمَوْتَ لَا وَقْتَ لَهُ مِنْ شَبَابٍ وَشَيْبٍ وَكُهُولَةٍ، وَمِنْ صَيْفٍ وَشِتَاءٍ وَخَرِيفٍ وَرَبِيعٍ، وَمِنْ لَيْلٍ وَنَهَارٍ، فَلَا يُقَدِّرُ نُزُولَ الْمَوْتِ بِهِ مَعَ رُؤْيَاهُ مَنْ مَاتَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا يُقَدِّرُ أَنْ تُشَيَّعَ جِنَازَتُهُ وَهُوَ لَا يَزَالُ يُشَيِّعُ الْجَنَائِزَ، فَمَا أَغْفَلَهُ وَمَا أَجْهَلَهُ، فَسَبِيلُهُ أَنْ يَقِيسَ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ تُحْمَلَ جِنَازَتُهُ وَيُدْفَنَ فِي قَبْرِهِ، وَلَا عِلَاجَ لِذَلِكَ إِلَّا الْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبِمَا فِيهِ مِنْ عَظِيمِ الْعِقَابِ وَجَزِيلِ الثَّوَابِ، فَمَهْمَا حَصَلَ لَهُ الْيَقِينُ بِذَلِكَ ارْتَحَلَ عَنْ قَلْبِهِ حُبُّ الدُّنْيَا، فَإِنَّ حُبَّ الْخَطِيرِ هُوَ الَّذِي يَمْحُو عَنِ الْقَلْبِ حُبَّ الْحَقِيرِ.

الْمُبَادَرَةُ إِلَى الْعَمَلِ وَحَذَرُ آفَةِ التَّأْخِيرِ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ".
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ " أَيْ إِنَّهُ لَا يَغْتَنِمُهُمَا، ثُمَّ يَعْرِفُ قَدْرَهُمَا عِنْدَ زَوَالِهِمَا.
وَكَانَ " الحسن " يَقُولُ فِي مَوْعِظَتِهِ: " الْمُبَادِرَةَ الْمُبَادِرَةَ فَإِنَّمَا هِيَ الْأَنْفَاسُ لَوْ حُبِسَتِ انْقَطَعَتْ عَنْكُمْ أَعْمَالُكُمُ الَّتِي تَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا نَظَرَ إِلَى نَفْسِهِ وَبَكَى عَلَى عَدَدِ ذُنُوبِهِ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: (إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) [مَرْيَمَ: 84] يَعْنِي الْأَنْفَاسَ، آخِرُ الْعَدَدِ خُرُوجُ نَفْسِكَ، آخِرُ الْعَدَدِ فِرَاقُ أَهْلِكَ، آخِرُ الْعَدَدِ دُخُولُكَ فِي قَبْرِكَ ".

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 322
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست