responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 318
بَعْضَهَا زِينَةً لِلرَّكُوبِ، وَبَعْضَهَا حَامِلَةً لِلْأَثْقَالِ قَاطِعَةً لِلْبَوَادِي وَالْمُفَازَاتِ الْبَعِيدَةِ لَأَكْثَرَ النَّاظِرُ التَّعَجُّبَ مِنْ حِكْمَةِ خَالِقِهَا وَمُصَوِّرِهَا، فَإِنَّهُ مَا خَلَقَهَا إِلَّا بِعِلْمٍ مُحِيطٍ بِجَمِيعِ مَنَافِعِهَا سَابِقٍ عَلَى خَلْقِهِ إِيَّاهَا. فَسُبْحَانَ مَنِ الْأُمُورُ مَكْشُوفَةٌ فِي عِلْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ وَمِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَتَدَبُّرٍ، وَمِنْ غَيْرِ اسْتِعَانَةٍ بِوَزِيرٍ أَوْ مُشِيرٍ فَهُوَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ الْحَكِيمُ الْقَدِيرُ، فَلَقَدِ اسْتَخْرَجَ بِأَقَلِّ الْقَلِيلِ مِمَّا خَلَقَهُ صِدْقَ الشَّهَادَةِ مِنْ قُلُوبِ الْعَارِفِينَ بِتَوْحِيدِهِ، فَمَا لِلْخَلْقِ إِلَّا الْإِذْعَانُ لِقَهْرِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَالِاعْتِرَافُ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَةِ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ، فَمَنْ ذَا الَّذِي يُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ؟ بَلْ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا غَايَةُ مَعْرِفَتِنَا الِاعْتِرَافُ بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ. فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُكْرِمَنَا بِهِدَايَتِهِ بِمَنِّهِ وَرَأْفَتِهِ.

آيَةُ الْبِحَارِ
مِنْ آيَاتِهِ تَعَالَى الْبِحَارُ الْعَمِيقَةُ الْمُكْتَنِفَةُ لِأَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَفِيهَا مِنْ عَجَائِبِ الْحَيَوَانِ، وَالْجَوَاهِرِ أَضْعَافُ مَا تُشَاهِدُهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، كَمَا أَنَّ سِعَتَهُ أَضْعَافُ سِعَةِ الْأَرْضِ. انْظُرْ كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ اللُّؤْلُؤَ وَدَوَّرَهُ فِي صَدَفِهِ تَحْتَ الْمَاءِ، وَانْظُرْ كَيْفَ أَنْبَتَ الْمَرْجَانَ مِنْ صُمِّ الصُّخُورِ، ثُمَّ تَأَمَّلْ مَا عَدَاهُ مِنَ الْعَنْبَرِ وَأَصْنَافِ النَّفَائِسِ الَّتِي يَقْذِفُهَا الْبَحْرُ وَتُسْتَخْرَجُ مِنْهُ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى عَجَائِبِ السُّفُنِ كَيْفَ أَمْسَكَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَسَيَّرَ فِيهَا التُّجَّارَ وَطُلَّابَ الْأَمْوَالِ وَغَيْرَهُمْ وَسَخَّرَ لَهُمُ الْفُلْكَ لِتَحْمِلَ أَثْقَالَهُمْ.
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الْمَاءُ مَا هُوَ أَظْهَرُ مِنْ كُلِّ ظَاهِرٍ وَهُوَ كَيْفِيَّةُ قَطْرَةِ الْمَاءِ وَهُوَ جِسْمٌ رَقِيقٌ لَطِيفٌ سَيَّالٌ مُشِفٌّ مُتَّصِلُ الْأَجْزَاءِ كَأَنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَطِيفُ التَّرْكِيبِ سَرِيعُ الْقَبُولِ لِلتَّقْطِيعِ، بِهِ حَيَاةُ كُلِّ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ حَيَوَانٍ وَنَبَاتٍ، فَلَوِ احْتَاجَ الْعَبْدُ إِلَى شَرْبَةِ مَاءٍ وَمُنِعَ مِنْهَا لَبَذَلَ جَمِيعَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ وَمُلْكَ الدُّنْيَا فِي تَحْصِيلِهَا لَوْ مَلَكَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَوْ شَرِبَهَا وَمُنِعَ مِنْ إِخْرَاجِهَا لَبَذَلَ جَمِيعَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ وَمُلْكَ الدُّنْيَا فِي إِخْرَاجِهَا.
فَالْعَجَبُ مِنَ الْآدَمِيِّ كَيْفَ يَسْتَعْظِمُ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ وَنَفَائِسَ الْجَوَاهِرِ وَيَغْفُلُ عَنْ نِعْمَةِ اللَّهِ فِي شَرْبَةِ مَاءٍ إِذَا احْتَاجَ إِلَى شُرْبِهَا أَوِ الِاسْتِفْرَاغِ عَنْهَا بَذَلَ جَمِيعَ الدُّنْيَا فِيهَا. فَتَأَمَّلْ فِي عَجَائِبِ الْمِيَاهِ وَالْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ وَالْبِحَارِ فَفِيهَا مُتَّسَعٌ لِلْفِكْرِ وَمَجَالٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ شَوَاهِدُ مُتَظَاهِرَةٌ وَآيَاتٌ مُتَنَاصِرَةٌ نَاطِقَةٌ بِلِسَانِ حَالِهَا مُفْصِحَةٌ عَنْ جَلَالِ بَارِئِهَا مُعْرِبَةٌ عَنْ كَمَالِ حِكْمَتِهِ.

آيَةُ الْهَوَاءِ وَعَجَائِبُ الْجَوِّ
وَمِنْ آيَاتِهِ تَعَالَى الْهَوَاءُ اللَّطِيفُ، فَإِنْ شَاءَ جَعْلَهُ نَشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) [الْحِجْرِ: 22] فَيَصِلُ بِحَرَكَتِهِ رُوحُ الْهَوَاءِ إِلَى الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ فَتَسْتَعِدُّ لِلنَّمَاءِ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ عَذَابًا عَلَى الْعُصَاةِ مِنْ خَلِيقَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [الْقَمَرِ: 19، 20] .

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 318
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست