responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 307
فَضِيلَةُ الْمُرَاقَبَةِ
رُوِيَ أَنَّ «جِبْرِيلَ» عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنِ الْإِحْسَانِ فَقَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) [الرَّعْدِ: 33] وَقَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) [الْعَلَقِ: 14] وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النِّسَاءِ: 1] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) [الْمَعَارِجِ: 32 وَ 33] وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [الْبَيِّنَةِ: 8] فَقَالَ: مَعْنَاهُ: ذَلِكَ لِمَنْ رَاقَبَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَاسَبَ نَفْسَهُ وَتَزَوَّدَ لِمَعَادِهِ. وَقَالَ رَجُلٌ «للجنيد» : بِمَ أَسْتَعِينُ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ؟ فَقَالَ: «بِعِلْمِكَ أَنَّ نَظَرَ النَّاظِرِ إِلَيْكَ أَسْبَقُ مِنْ نَظَرِكَ إِلَى الْمَنْظُورِ إِلَيْهِ» .

حَقِيقَةُ الْمُرَاقَبَةِ
الْمُرَاقَبَةُ هِيَ مُلَاحَظَةُ الرَّقِيبِ وَانْصِرَافُ الْهَمِّ إِلَيْهِ، وَيُعْنَى بِهَا حَالَةٌ لِلْقَلْبِ يُثْمِرُهَا نَوْعٌ مِنَ الْمَعْرِفَةِ، وَتُثْمِرُ تِلْكَ الْحَالَةُ أَعْمَالًا فِي الْجَوَارِحِ وَفِي الْقَلْبِ. أَمَّا الْحَالَةُ فَهِيَ مُرَاعَاةُ الْقَلْبِ لِلرَّقِيبِ وَمُلَاحَظَتُهُ إِيَّاهُ، وَأَمَّا الْمَعْرِفَةُ فَهِيَ الْعِلْمُ بِأَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَى الضَّمَائِرِ، عَالِمٌ بِالسَّرَائِرِ، رَقِيبٌ عَلَى أَعْمَالِ الْعِبَادِ، قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، وَأَنَّ سِرَّ الْقَلْبِ فِي حَقِّهِ مَكْشُوفٌ كَمَا أَنَّ ظَاهِرَ الْبَشَرَةِ لِلْخَلْقِ مَكْشُوفٌ. ثُمَّ لِلْمُرَاقِبِ فِي أَعْمَالِهِ نَظَرَانِ: نَظَرٌ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَنَظَرٌ فِي الْعَمَلِ، أَمَّا قَبْلَ الْعَمَلِ فَلْيَنْظُرْ هَمَّهُ وَحَرَكَتَهُ أَهِيَ لِلَّهِ خَاصَّةً أَوْ لِهَوَى النَّفْسِ وَمُتَابَعَةِ الشَّيْطَانِ فَيَتَوَقَّفُ فِيهِ وَيَتَثَبَّتُ حَتَّى يَنْكَشِفَ لَهُ ذَلِكَ بِنُورِ الْحَقِّ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْضَاهُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ اللَّهِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ وَانْكَفَّ عَنْهُ ثُمَّ لَامَ نَفْسَهُ عَلَى رَغْبَتِهِ فِيهِ وَهَمِّهِ بِهِ وَمَيْلِهِ إِلَيْهِ، وَعَرَّفَهَا سُوءَ فِعْلِهَا وَأَنَّهَا عَدُوَّةُ نَفْسِهَا. وَأَمَّا النَّظَرُ الثَّانِي لِلْمُرَاقَبَةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَذَلِكَ بِتَفَقُّدِ كَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ لِيَقْضِيَ حَقَّ اللَّهِ فِيهِ، وَيُحْسِنَ النِّيَّةَ فِي إِتْمَامِهِ، وَيَتَعَاطَاهُ عَلَى أَكْمَلِ مَا يُمْكِنُهُ.
وَهَذَا مُلَازِمٌ لَهُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَاعَةٍ أَوْ فِي مَعْصِيَةٍ أَوْ فِي مُبَاحٍ، فَمُرَاقَبَتُهُ فِي الطَّاعَاتِ بِالْإِخْلَاصِ وَالْإِكْمَالِ وَمُرَاعَاةِ الْأَدَبِ وَحِرَاسَتِهَا عَنِ الْآفَاتِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْصِيَةٍ فَمُرَاقَبَتُهُ بِالتَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَالْإِقْلَاعِ وَالْحَيَاءِ وَالِاشْتِغَالِ بِالتَّفْكِيرِ، وَإِنْ كَانَ فِي مُبَاحٍ فَمُرَاقَبَتُهُ بِمُرَاعَاةِ الْأَدَبِ، ثُمَّ بِشُهُودِ الْمُنْعِمِ فِي النِّعْمَةِ وَبِالشُّكْرِ عَلَيْهَا. وَلَا يَخْلُو الْعَبْدُ فِي جُمْلَةِ أَحْوَالِهِ عَنْ بَلِيَّةٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَيْهَا، وَنِعْمَةٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الشُّكْرِ عَلَيْهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْمُرَاقَبَةِ. بَلْ لَا يَنْفَكُّ الْعَبْدُ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ فَرْضِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: إِمَّا فِعْلٍ يَلْزَمُهُ مُبَاشَرَتُهُ، أَوْ

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 307
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست