responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 302
بِهِ، وَيُنْظَرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الصَّلَاحِ وَالْوَقَارِ.
فَمَهْمَا كَانَ بَاعِثُهُ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَكِنِ انْضَافَ إِلَيْهِ خَطْرَةٌ مِنْ هَذِهِ الْخَطَرَاتِ حَتَّى صَارَ الْعَمَلُ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْأُمُورِ، فَقَدْ خَرَجَ عَمَلُهُ عَنْ حَدِّ الْإِخْلَاصِ وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَتَطَرَّقَ إِلَيْهِ الشِّرْكُ.
وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ حَظٍّ مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا تَسْتَرِيحُ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَيَمِيلُ إِلَيْهِ الْقَلْبُ قَلَّ أَمْ كَثُرَ إِذَا تَطَرَّقَ إِلَى الْعَمَلِ تَكَدَّرَ بِهِ صَفْوُهُ وَزَالَ بِهِ إِخْلَاصُهُ، فَإِنَّ الْخَالِصَ مِنَ الْعَمَلِ هُوَ الَّذِي لَا بَاعِثَ عَلَيْهِ إِلَّا طَلَبُ الْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا مِنْ مُحِبٍّ لِلَّهِ لَمْ يَبْقَ لِحُبِّ الدُّنْيَا فِي قَلْبِهِ قَرَارٌ، وَلِذَا كَانَ عِلَاجُ الْإِخْلَاصِ كَسْرَ حُظُوظِ النَّفْسِ وَقَطْعَ الطَّمَعِ عَنِ الدُّنْيَا وَالتَّجَرُّدَ لِلْآخِرَةِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ ذَلِكَ عَلَى الْقَلْبِ، فَإِذْ ذَاكَ يَتَيَسَّرُ الْإِخْلَاصُ.
وَكَمْ مِنْ أَعْمَالٍ يَتْعَبُ الْإِنْسَانُ فِيهَا وَيَظُنُّ أَنَّهَا خَالِصَةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ وَيَكُونُ فِيهَا مَغْرُورًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى وَجْهَ الْآفَةِ فِيهَا. فَلْيَكُنِ الْعَبْدُ شَدِيدَ التَّفَقُّدِ وَالْمُرَاقَبَةِ لِهَذِهِ الدَّقَائِقِ، وَإِلَّا الْتَحَقَ بِأَتْبَاعِ الشَّيَاطِينِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ.

فَضِيلَةُ الصِّدْقِ وَدَرَجَاتُهُ
قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) [الْأَحْزَابِ: 23] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَالْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَالْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» .
وَالصِّدْقُ دَرَجَاتٌ:
الْأُولَى صِدْقُ اللِّسَانِ: وَحَقٌّ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَنْ يَحْفَظَ أَلْفَاظَهُ فَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا بِالصِّدْقِ. وَكَمَالُ صِدْقِ الْقَوْلِ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْمَعَارِيضِ، فَقَدْ قِيلَ: «فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْكَذِبِ» وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الْكَذِبِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَمَسُّ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، وَتَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَفِي تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ وَالنِّسْوَانِ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُمْ، وَفِي الْحَذَرِ عَنِ الظَّلَمَةِ، وَفِي قِتَالِ الْأَعْدَاءِ وَالِاحْتِرَازِ عَنِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى الْأَسْرَارِ. فَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَصِدْقُهُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ نُطْقُهُ فِيهِ لِلَّهِ فِيمَا يَأْمُرُهُ الْحَقُّ بِهِ وَيَقْتَضِيهِ الدِّينُ، فَإِذَا نَطَقَ بِهِ فَهُوَ صَادِقٌ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ مُفْهِمًا غَيْرَ مَا هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصِّدْقَ مَا أُرِيدَ لِذَاتِهِ بَلْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ، فَلَا يُنْظَرُ إِلَى صُورَتِهِ بَلْ إِلَى مَعْنَاهُ. نَعَمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ إِلَى الْمَعَارِيضِ مَا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى سَفَرٍ وَرَّى بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ كَيْ لَا يَنْتَهِيَ الْخَبَرُ إِلَى الْأَعْدَاءِ فَيُقْصَدَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ فِي شَيْءٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ بِكَذَّابٍ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ أَنْمَى خَيْرًا» .
وَرَخَّصَ فِي النُّطْقِ عَلَى وِفْقِ الْمَصْلَحَةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَمَنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ، وَمَنْ كَانَ فِي مَصَالِحِ الْحَرْبِ، وَالصِّدْقُ هَهُنَا يَتَحَوَّلُ إِلَى النِّيَّةِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ إِلَّا صِدْقُ النِّيَّةِ وَإِرَادَةُ الْخَيْرِ، فَمَهْمَا صَحَّ قَصْدُهُ وَصَدَقَتْ

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 302
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست