responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 297
تَرَاءَى لَهُ مَا يُوَافِقُ غَرَضَهُ فَلَا يَتَفَطَّنُ لِلْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَبِهَذِهِ الدَّقَائِقِ يَطَّلِعُ عَلَى سِرِّ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ» وَقَدْ وَرَدَ فِي وَعِيدِ مَنْ يَسْأَلُ وَهُوَ غَنِيٌّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَأَلَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ مِنْهُ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِّ الْغِنَى الْمُحَرِّمِ لِلسُّؤَالِ آثَارٌ مُخْتَلِفَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ، يُمْكِنُ تَنْزِيلُهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُحْتَاجِينَ، إِذِ الْحَاجَةُ لَا تَقْبَلُ الضَّبْطَ، فَأَمْرُهَا مَنُوطٌ بِاجْتِهَادِ الْعَبْدِ وَنَظَرِهِ لِنَفْسِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَسْتَفْتِي فِيهِ قَلْبَهُ، وَيَعْمَلُ بِهِ إِنْ كَانَ سَالِكًا طَرِيقَ الْآخِرَةِ. نَسْأَلُهُ - تَعَالَى - حُسْنَ التَّوْفِيقِ بِلُطْفِهِ.

فَضِيلَةُ الزُّهْدِ وَحَقِيقَتُهُ
قَالَ - تَعَالَى -: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طَهَ: 131] وَقَالَ - تَعَالَى -: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) [الشُّورَى: 20] وَفِي حَدِيثِ «عمر» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [التَّوْبَةِ: 34] قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَبًّا لِلدُّنْيَا تَبًّا لِلدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ» فَقُلْنَا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ نَهَانَا اللَّهُ عَنْ كَنْزِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَأَيُّ شَيْءٍ نَدَّخِرُ» ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيَتَّخِذْ أَحَدُكُمْ لِسَانًا ذَاكِرًا وَقَلْبًا شَاكِرًا وَزَوْجَةً صَالِحَةً تُعِينُهُ عَلَى أَمْرِ آخِرَتِهِ» وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ، وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ» وَالْبُخْلُ ثَمَرَةُ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَالسَّخَاءُ ثَمَرَةُ الزُّهْدِ، وَالثَّنَاءُ عَلَى الثَّمَرَةِ ثَنَاءٌ عَلَى الْمُثْمِرِ لَا مَحَالَةَ، وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ. وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ» .
ثُمَّ إِنَّ أَصْنَافَ مَا فِيهِ الزُّهْدُ تَكَادُ تَخْرُجُ عَنِ الْحَصْرِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعَةً مِنْهَا فَقَالَ - تَعَالَى -: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [آلِ عِمْرَانَ: 14] ثُمَّ رَدَّهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى إِلَى خَمْسَةٍ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) [الْحَدِيدِ: 20] ثُمَّ رَدَّهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِلَى اثْنَيْنِ فَقَالَ - تَعَالَى -: (إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) [مُحَمَّدٍ: 36] ثُمَّ رَدَّ الْكُلَّ إِلَى وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَقَالَ: (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النَّازِعَاتِ: 40 وَ 41] فَالْهَوَى لَفْظٌ يَجْمَعُ جَمِيعَ حُظُوظِ النَّفْسِ فِي الدُّنْيَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الزُّهْدُ فِيهِ.

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 297
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست