responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 296
فَلَا يَرُدَّهُ» فَأَمَّا إِذَا كَانَ مَا أَتَاهُ زَائِدًا عَلَى حَاجَتِهِ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَالُهُ الِاشْتِغَالَ بِنَفْسِهِ أَوِ التَّكَفُّلَ بِأُمُورِ الْفُقَرَاءِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ لِمَا فِي طَبْعِهِ مِنَ الرِّفْقِ وَالسَّخَاءِ، فَإِنْ كَانَ مَشْغُولًا بِنَفْسِهِ فَلَا وَجْهَ لِأَخْذِهِ وَإِمْسَاكِهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَكَفِّلًا بِحُقُوقِ الْفُقَرَاءِ فَلْيَأْخُذْ مَا زَادَ عَلَى حَاجَتِهِ؛ فَإِنَّهُ غَيْرُ زَائِدٍ عَلَى حَاجَةِ الْفُقَرَاءِ وَلْيُبَادِرْ بِهِ إِلَى الصَّرْفِ إِلَيْهِمْ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ إِنَّمَا تَأْتِيكَ ابْتِلَاءً وَفِتْنَةً لِيَنْظُرَ اللَّهُ إِلَيْكَ مَاذَا تَعْمَلُ فِيهِ، وَقَدْرُ الْحَاجَةِ يَأْتِيكَ رِفْقًا بِكَ فَلَا تَغْفُلْ عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَ الرِّفْقِ وَالِابْتِلَاءِ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الْكَهْفِ: 7] .

تَحْرِيمُ السُّؤَالِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَآدَابُ الْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ
اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَتْ مَنَاهٍ كَثِيرَةٌ فِي السُّؤَالِ وَتَشْدِيدَاتٌ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَأَلَ عَنْ غِنًى فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ، وَمَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ يَتَقَعْقَعُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ لَحْمٌ» وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: «كَانَتْ مَسْأَلَتُهُ خُدُوشًا وَكُدُوحًا فِي وَجْهِهِ» وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ صَرِيحَةٌ فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّشْدِيدِ. وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ كَثِيرًا بِالتَّعَفُّفِ عَنِ السُّؤَالِ.
وَسَمِعَ «عمر» - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَائِلًا يَسْأَلُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ لِوَاحِدٍ مَنْ قَوْمِهِ: «عَشِّ الرَّجُلَ» فَعَشَّاهُ، ثُمَّ سَمِعَهُ ثَانِيًا يَسْأَلُ فَقَالَ: «أَلَمْ أَقُلْ لَكَ عَشِّ الرَّجُلَ» قَالَ: «قَدْ عَشَّيْتُهُ» فَنَظَرَ «عمر» فَإِذَا تَحْتَ يَدِهِ مِخْلَاةٌ مَمْلُوءَةٌ خُبْزًا فَقَالَ: «لَسْتَ سَائِلًا وَلَكِنَّكَ تَاجِرٌ» ثُمَّ أَخَذَ الْمِخْلَاةَ وَنَثَرَهَا بَيْنَ يَدَيْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: «لَا تَعُدْ» وَلَوْلَا سُؤَالُهُ كَانَ حَرَامًا لَمَا ضَرَبَهُ وَلَا أَخَذَ مِخْلَاتَهُ، وَإِنَّمَا اسْتَجَازَ ذَلِكَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِكَوْنِهِ لَاحَ لَهُ فِيهِ أَنَّهُ رَآهُ مُسْتَغْنِيًا عَنِ السُّؤَالِ، وَعَلِمَ أَنَّ مَنْ أَعْطَاهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَعْطَاهُ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ وَقَدْ كَانَ كَاذِبًا، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ بِأَخْذِهِ مِنَ التَّلْبِيسِ، وَعَسُرَ تَمْيِيزُ ذَلِكَ وَرَدُّهُ إِلَى أَصْحَابِهِ إِذْ لَا يُعْرَفُ أَصْحَابُهُ بِأَعْيَانِهِمْ، فَبَقِيَ مَالًا لَا مَالِكَ لَهُ، فَوَجَبَ صَرْفُهُ إِلَى الْمَصَالِحِ، وَإِبِلُ الصَّدَقَةِ وَعَلْفُهَا مِنَ الْمَصَالِحِ.
نَعَمْ يُبَاحُ السُّؤَالُ بِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ مُهِمَّةٍ قَرِيبَةٍ مِنَ الضَّرُورَةِ، فَالضَّرُورَةُ كَسُؤَالِ الْجَائِعِ عِنْدَ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا، وَسُؤَالُ الْعَارِي وَبَدَنُهُ مَكْشُوفٌ لَيْسَ مَعَهُ مَا يُوَارِيهِ، وَهُوَ مُبَاحٌ مَا دَامَ السَّائِلُ عَاجِزًا عَنِ الْكَسْبِ فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ وَهُوَ بَطَّالٌ لَيْسَ لَهُ السُّؤَالُ إِلَّا إِذَا اسْتَغْرَقَ طَلَبُ الْعِلْمِ أَوْقَاتَهُ، وَأَمَّا الْمُسْتَغْنِي فَهُوَ الَّذِي يَطْلُبُ الشَّيْءَ وَعِنْدَهُ مِثْلُهُ وَأَمْثَالُهُ، فَسُؤَالُهُ حَرَامٌ قَطْعًا، وَأَمَّا الْمُحْتَاجُ حَاجَةً مُهِمَّةً فَكَالْمَرِيضِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى دَوَاءٍ، وَكَمَنَ لَهُ جُبَّةٌ لَا قَمِيصَ تَحْتَهَا فِي الشِّتَاءِ وَهُوَ يَتَأَذَّى بِالْبَرْدِ، وَكَمَنَ يَسْأَلُ الْكِرَاءَ لِفَرَسٍ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ مَا يَعْلَمُ أَنَّ بَاعِثَهُ الْحَيَاءُ فَإِنَّهُ حَرَامٌ مَحْضٌ، وَمَا يَشُكُّ فِيهِ فَلْيَسْتَفْتِ قَلْبَهُ فِيهِ، وَلْيَتْرُكْ حَزَازَ الْقَلْبِ فَإِنَّهُ الْإِثْمُ، وَلْيَدَعْ مَا يَرِيبُهُ إِلَى مَا لَا يَرِيبُهُ، وَإِدْرَاكُ ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ سَهْلٌ عَلَى مَنْ قَوِيَتْ فِطْنَتُهُ وَضَعُفَ حِرْصُهُ وَشَهْوَتُهُ، فَإِنْ قَوِيَ الْحِرْصُ وَضَعُفَتِ الْفَطِنَةُ

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 296
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست