responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 282
[الْبَقَرَةِ: 86] . فَخَسِرَتْ صَفْقَتُهُمْ.
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ الْحَرْبُ سِجَالًا بَيْنَ الْجُنْدَيْنِ، فَتَارَةً لَهُ الْيَدُ عَلَيْهَا وَتَارَةً لَهَا عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنَ الْمُجَاهِدِينَ يُعَدُّ لَا مِنَ الظَّافِرِينَ، وَأَهْلُ هَذِهِ الْحَالَةِ هُمُ الَّذِينَ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ.
وَالتَّارِكُونَ لِلْمُجَاهَدَةِ مَعَ الشَّهَوَاتِ مُطْلَقًا يُشَبَّهُونَ بِالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا، إِذِ الْبَهِيمَةُ لَمْ تُخْلَقْ لَهَا الْمَعْرِفَةُ وَالْقُدْرَةُ الَّتِي بِهَا تُجَاهِدُ مُقْتَضَى الشَّهَوَاتِ، وَهَذَا قَدْ خُلِقَ لَهُ ذَلِكَ وَعَطَّلَهُ فَهُوَ النَّاقِصُ حَقًّا.
وَإِذَا دَامَتِ التَّقْوَى وَقَوِيَ التَّصْدِيقُ بِمَا فِي الْعَاقِبَةِ مِنَ الْحُسْنَى تَيَسَّرَ الصَّبْرُ.

بَيَانُ مَظَانِّ الْحَاجَةِ إِلَى الصَّبْرِ
وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ:
اعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَلْقَى الْعَبْدُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ لَا يَخْلُو مِنْ نَوْعَيْنِ: مَا يُوَافِقُ هَوَاهُ، وَمَا لَا يُوَافِقُهُ بَلْ يَكْرَهُهُ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الصَّبْرِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لَا يَخْلُو عَنْ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ، فَإِذَنْ لَا يَسْتَغْنِي قَطُّ عَنِ الصَّبْرِ.
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَا يُوَافِقُ الْهَوَى، وَهُوَ الصِّحَّةُ وَالسَّلَامَةُ وَالْمَالُ وَالْجَاهُ وَكَثْرَةُ الْعَشِيرَةِ وَاتِّسَاعُ الْأَسْبَابِ وَكَثْرَةُ الْأَتْبَاعِ وَالْأَنْصَارِ وَجَمِيعُ مَلَاذِّ الدُّنْيَا، وَمَا أَحْوَجَ الْعَبْدَ إِلَى الصَّبْرِ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَضْبِطْ نَفْسَهُ عَنِ الِاسْتِرْسَالِ وَالرُّكُونِ إِلَيْهَا وَالِانْهِمَاكِ فِي مَلَاذِّهَا الْمُبَاحَةِ، أَخْرَجَهُ ذَلِكَ إِلَى الْبَطَرِ وَالطُّغْيَانِ، وَلِذَلِكَ حَذَّرَ اللَّهُ عِبَادَهُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ وَالزَّوْجِ وَالْوَلَدِ فَقَالَ - تَعَالَى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) [الْمُنَافِقُونَ: 9] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) [التَّغَابُنِ: 14] . فَالرَّجُلُ كُلُّ الرَّجُلِ مَنْ يَصْبِرُ عَلَى الْعَافِيَةِ، وَمَعْنَى الصَّبْرِ عَلَيْهَا أَنْ لَا يَرْكَنَ إِلَيْهَا، وَأَنْ لَا يُرْسِلَ نَفْسَهُ فِي الْفَرَحِ بِهَا، وَأَنْ يَرْعَى حُقُوقَ اللَّهِ فِي مَالِهِ بِالْإِنْفَاقِ، وَفِي بَدَنِهِ بِبَذْلِ الْمَعُونَةِ لِلْخَلْقِ، وَفِي لِسَانِهِ بِبَذْلِ الصِّدْقِ، وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ.
وَهَذَا الصَّبْرُ مُتَّصِلٌ بِالشُّكْرِ، وَإِنَّمَا كَانَ الصَّبْرُ عَلَى السَّرَّاءِ أَشَدَّ؛ لِأَنَّهُ مَقْرُونٌ بِالْقُدْرَةِ، وَالْجَائِعُ عِنْدَ غَيْبَةِ الطَّعَامِ أَقْدَرُ عَلَى الصَّبْرِ مِنْهُ إِذَا حَضَرَتْهُ الْأَطْعِمَةُ اللَّذِيذَةُ وَقَدَرَ عَلَيْهَا، فَلِهَذَا عَظُمَتْ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا لَا يُوَافِقُ الْهَوَى وَالطَّبْعَ، وَذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَرْتَبِطَ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ كَالطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي، أَوْ لَا يَرْتَبِطُ بِاخْتِيَارِهِ كَالْمَصَائِبِ، أَوْ لَا يَرْتَبِطُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَكِنْ لَهُ اخْتِيَارٌ فِي إِزَالَتِهِ كَالتَّشَفِّي مِنَ الْمُؤْذِي بِالِانْتِقَامِ مِنْهُ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَا يَرْتَبِطُ بِاخْتِيَارِهِ، وَهُمَا ضَرْبَانِ:
الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: الطَّاعَةُ، وَالْعَبْدُ يَحْتَاجُ إِلَى الصَّبْرِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا تَنْفِرُ عَنْهُ النَّفْسُ

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 282
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست