responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 261
بَوَاطِنَهُمْ وَنَسُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَا إِلَى أَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» فَتَعَهَّدُوا الْأَعْمَالَ وَمَا تَعَهَّدُوا الْقُلُوبَ، وَالْقَلْبُ هُوَ الْأَصْلُ إِذْ لَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، وَمِثَالُ هَؤُلَاءِ قُبُورُ الْمَوْتَى: ظَاهِرُهَا مُزَيَّنٌ وَبَاطِنُهَا جِيفَةٌ.

وَفِرْقَةٌ اقْتَصَرُوا عَلَى عِلْمِ الْفَتَاوَى فِي الْحُكُومَاتِ وَالْخُصُومَاتِ وَتَفَاصِيلِ الْمُعَامَلَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْخَلْقِ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَخَصَّصُوا اسْمَ الْفِقْهِ بِهَا. وَرُبَّمَا ضَيَّعُوا مَعَ ذَلِكَ الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ فَلَمْ يَتَفَقَّدُوا الْجَوَارِحَ كَاللِّسَانِ عَنِ الْغِيبَةِ، وَلَا الْبَطْنَ عَنِ الْحَرَامِ، وَلَمْ يَحْرُسُوا قُلُوبَهُمْ عَنِ الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالرِّيَاءِ وَسَائِرِ الْمُهْلِكَاتِ، فَهَؤُلَاءِ مَغْرُورُونَ مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ وَمِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ.
أَمَّا مِنَ الْعَمَلِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَوَّلًا وَجْهَ الْغُرُورِ فِيهِ، وَمِثَالُهُمُ الْمَرِيضُ إِذَا تَعَلَّمَ نُسْخَةَ الدَّوَاءِ وَاشْتَغَلَ بِتَكْرَارِهَا وَتَعْلِيمِهَا الْمَرْضَى وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِشُرْبِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا، أَفَتَرَى أَنَّ ذَلِكَ يُغْنِي عَنْهُ مِنْ مَرَضِهِ شَيْئًا؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، فَلَا بُدَّ مِنْ شُرْبِهِ وَصَبْرِهِ عَلَى مَرَارَتِهِ، عَلَى أَنَّهُ بَعْدُ عَلَى خَطَرٍ مِنْ شِفَائِهِ.
وَأَمَّا غُرُورُهُ مِنْ حَيْثُ الْعِلْمِ فَحَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى عِلْمِ الْمُعَامَلَاتِ وَظَنَّ أَنَّهُ عِلْمُ الدِّينِ، وَتَرَكَ عِلْمَ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُبَّمَا طَعَنَ فِي الْمُحَدِّثِينَ وَقَالَ: إِنَّهُمْ نَقَلَةُ أَخْبَارٍ وَحَمَلَةُ أَسْفَارٍ لَا يَفْقَهُونَ. وَتَرَكَ أَيْضًا عَلِمَ تَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ، وَتَرَكَ الْفِقْهَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِدْرَاكِ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُورِثُ الْخَوْفَ وَالْهَيْبَةَ وَالْخُشُوعَ وَيَحْمِلُ عَلَى التَّقْوَى، فَإِنَّ الْفِقْهَ هُوَ الْفِقْهُ عَنِ اللَّهِ وَمَعْرِفَةُ صِفَاتِهِ الْمُخَوِّفَةِ وَالْمَرْجُوَّةِ لِيَسْتَشْعِرَ الْقَلْبُ الْخَوْفَ وَيُلَازِمَ التَّقْوَى إِذْ قَالَ تَعَالَى: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التَّوْبَةِ: 122] وَالَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِنْذَارُ غَيْرُ هَذَا الْعِلْمِ.
وَفِرْقَةٌ اشْتَغَلُوا بِالْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ وَالتَّكَلُّمِ فِي أَخْلَاقِ النَّفْسِ وَالزُّهْدِ وَالْإِخْلَاصِ وَهُمْ مَغْرُورُونَ يَظُنُّونَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا تَكَلَّمُوا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَدَعَوُا الْخَلْقَ إِلَيْهَا فَقَدْ صَارُوا مَوْصُوفِينَ بِهَا وَهُمْ مُنْفَكُّونَ عَنْهَا عِنْدَ اللَّهِ لِحِرْصِهِمْ عَلَى السُّمْعَةِ وَحَسَدِهِمْ لِمَنْ يَتَقَدَّمُهُمْ مِنْ أَقْرَانِهِمْ، وَغَيْظِهِمْ عَلَى مَنْ يُثْنِي عَلَى مُعَاصِرِيهِمْ، وَجَمْعِهِمْ لِحُطَامِ الدُّنْيَا، فَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ النَّاسِ غِرَّةً.
وَفِرْقَةٌ مِنْهُمْ قَنَعُوا بِحِفْظِ كَلَامِ الزُّهَّادِ وَأَحَادِيثِهِمْ فِي ذَمِّ الدُّنْيَا، فَهُمْ يَحْفَظُونَ الْكَلِمَاتِ وَيُؤَدُّونَهَا مِنْ غَيْرِ إِحَاطَةٍ بِمَعَانِيهَا وَلَوْ فِي الْأَسْوَاقِ مَعَ الْجُلَسَاءِ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ إِذَا حَفِظَ كَلَامَ الزُّهَّادِ فَقَدْ أَفْلَحَ وَنَالَ الْغَرَضَ، وَصَارَ مَغْفُورًا لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْفَظَ بَاطِنَهُ عَنِ الْآثَامِ، وَغُرُورُ هَؤُلَاءِ أَظْهَرُ مِنْ غُرُورِ مَنْ قَبْلَهُمْ.
وَفِرْقَةٌ اشْتَغَلُوا بِعِلْمِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالشِّعْرِ وَغَرِيبِ اللُّغَةِ وَاغْتَرُّوا بِهِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ غُفِرَ لَهُمْ، وَأَنَّهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ فَأَفْنَوْا أَعْمَارَهُمْ فِي ذَلِكَ وَأَعْرَضُوا عَنْ مَعْرِفَةِ مَعَانِي الشَّرِيعَةِ وَالْعَمَلِ

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 261
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست