responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 260
قَوْلَهُ تَعَالَى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [الْمُؤْمِنُونَ 1، 2] الْآيَاتِ.
فَالرَّجَاءُ الْأَوَّلُ يَقْمَعُ الْقُنُوطَ الْمَانِعَ مِنَ التَّوْبَةِ، وَالرَّجَاءُ الثَّانِي يَقْمَعُ الْفُتُورَ الْمَانِعَ مِنَ النَّشَاطِ وَالتَّشَمُّرِ، فَكُلُّ تَوَقُّعٍ حَثَّ عَلَى تَوْبَةٍ أَوْ عَلَى تَشَمُّرٍ فِي الْعِبَادَةِ فَهُوَ رَجَاءٌ، وَكُلُّ رَجَاءٍ أَوْجَبَ فُتُورًا فِي الْعِبَادَةِ وَرُكُونًا إِلَى الْبَطَالَةِ فَهُوَ غِرَّةٌ. كَمَا إِذَا خَطَرَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الذَّنْبَ وَيَشْتَغِلَ بِالْعَمَلِ فَفَتَّرَهُ الشَّيْطَانُ عَنِ التَّوْبَةِ وَالْعِبَادَةِ وَقَالَ لَهُ: «لَكَ رَبٌّ كَرِيمٌ» فَهَذَا غِرَّةٌ، وَعِنْدَ هَذَا يَجِبُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْخَوْفَ فَيُخَوِّفُ نَفْسَهُ بِغَضَبِ اللَّهِ وَعَظِيمِ عِقَابِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ، مَعَ أَنَّهُ غَافِرُ الذَّنْبِ وَقَابِلُ التَّوْبِ، شَدِيدُ الْعِقَابِ، وَإِنَّهُ مَعَ أَنَّهُ كَرِيمٌ خَلَّدَ الْكُفَّارَ فِي النَّارِ أَبَدَ الْآبَادِ، وَقَدْ خَوَّفَنِي عِقَابَهُ فَكَيْفَ لَا أَخَافُهُ وَكَيْفَ أَغْتَرُّ بِهِ.
فَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ قَائِدَانِ وَسَائِقَانِ يَبْعَثَانِ النَّاسَ عَلَى الْعَمَلِ، فَمَا لَا يَبْعَثُ عَلَى الْعَمَلِ فَهُوَ تَمَنٍّ وَغُرُورٌ، وَرَجَاءُ كَافَّةِ الْخَلْقِ هُوَ سَبَبُ فُتُورِهِمْ وَسَبَبُ إِقْبَالِهِمْ عَلَى الدُّنْيَا، وَسَبَبُ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِهْمَالِهِمُ السَّعْيَ لِلْآخِرَةِ، فَذَلِكَ غُرُورٌ، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يُبَالِغُونَ فِي التَّقْوَى وَالْحَذَرِ مِنَ الشُّبَهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَيَبْكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي الْخَلَوَاتِ، وَأَمَّا الْآنَ فَتَرَى الْخَلْقَ آمِنِينَ مَسْرُورِينَ غَيْرَ خَائِفِينَ مَعَ إِكْبَابِهِمْ عَلَى الْمَعَاصِي، وَانْهِمَاكِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى زَاعِمِينَ أَنَّهُمْ وَاثِقُونَ بِكَرَمِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ كَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّحَابَةُ وَالسَّلَفُ الصَّالِحُونَ ; فَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ يُدْرَكُ بِالْمُنَى وَيُنَالُ بِالْهُوَيْنَا فَعَلَى مَاذَا كَانَ بُكَاءُ أُولَئِكَ وَخَوْفُهُمْ وَحُزْنُهُمْ؟! وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) [الرَّحْمَنِ: 46] (ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إِبْرَاهِيمَ: 14] . وَالْقُرْآنُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ تَحْذِيرٌ وَتَخْوِيفٌ لَا يَتَفَكَّرُ فِيهِ مُتَفَكِّرٌ إِلَّا وَيَطُولُ حُزْنُهُ وَيَعْظُمُ خَوْفُهُ إِنْ كَانَ مُؤْمِنًا.

بَيَانُ بَعْضِ أَصْنَافِ الْمُغْتَرِّينَ:

فَمِنْهُمْ فِرْقَةٌ أَحْكَمُوا الْعُلُومَ الشَّرْعِيَّةَ وَالْعَقْلِيَّةَ وَأَهْمَلُوا تَفَقُّدَ الْجَوَارِحِ وَحِفْظَهَا عَنِ الْمَعَاصِي، وَاغْتَرُّوا بِعِلْمِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ عِنْدَ اللَّهِ بِمَكَانٍ لَا يُعَذِّبُ مِثْلَهُمْ، وَلَوْ نَظَرُوا بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ لَعَلِمُوا أَنَّ الْعِلْمَ إِنَّمَا يُرَادُ لِمَعْرِفَةِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَمَعْرِفَةِ أَخْلَاقِ النَّفْسِ الْمَذْمُومَةِ وَالْمَحْمُودَةِ وَكَيْفِيَّةِ عِلَاجِهَا وَالْفِرَارِ مِنْهَا، فَهِيَ عُلُومٌ لَا تُرَادُ إِلَّا لِلْعَمَلِ، وَكُلُّ عِلْمٍ يُرَادُ لِلْعَمَلِ فَلَا قِيمَةَ لَهُ دُونَ الْعَمَلِ. وَقَدْ وَرَدَ فِيمَنْ لَا يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ مَا فِيهِ أَشَدُّ التَّرْهِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) [الْجُمُعَةِ: 5] فَأَيُّ خِزْيٍ أَعْظَمُ مِنَ التَّمْثِيلِ بِالْحِمَارِ؟ .

وَفِرْقَةٌ أُخْرَى أَحْكَمُوا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ فَوَاظَبُوا عَلَى الطَّاعَاتِ الظَّاهِرَةِ وَتَرَكُوا الْمَعَاصِيَ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَتَفَقَّدُوا قُلُوبَهُمْ لِيَمْحُوا عَنْهَا الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةَ مِنَ الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالرِّيَاءِ وَطَلَبِ الْعُلَا وَإِرَادَةِ السُّوءِ لِلْأَقْرَانِ وَالنُّظَرَاءِ وَطَلَبِ الشُّهْرَةِ فِي الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، فَهَؤُلَاءِ زَيَّنُوا ظَوَاهِرَهُمْ وَأَهْمَلُوا

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 260
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست