responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 252
يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي الْمُدَاوَاةِ بِمُجَرَّدِ الْمَعْرِفَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَكْمُلَ بِالْعَمَلِ، وَتُجَرَّبَ بِأَفْعَالِ الْمُتَوَاضِعِينَ فِي مَوَاقِعِ هَيَجَانِ الْكِبْرِ مِنَ النَّفْسِ، وَبَيَانُهُ أَنْ يَمْتَحِنَ النَّفْسَ بِالِامْتِحَانَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِخْرَاجٍ مَا فِي الْبَاطِنِ، وَالِامْتِحَانَاتُ كَثِيرَةٌ، فَمِنْهَا وَهُوَ أَوَّلُهَا: أَنْ يُنَاظِرَ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ أَقْرَانِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِهِ فَثَقُلَ عَلَيْهِ قَبُولُهُ وَالِانْقِيَادُ لَهُ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَنْبِيهٍ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهِ كِبْرًا دَفِينًا، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِيهِ وَيَشْتَغِلْ بِعِلَاجِهِ.
أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ فَبِأَنْ يُذَكِّرَ نَفْسَهُ خِسَّةَ نَفْسِهِ، وَخَطَرَ عَاقِبَتِهِ وَأَنَّ الْكِبْرَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَبِأَنْ يُكَلِّفَ نَفْسَهُ مَا ثَقُلَ عَلَيْهِ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ، وَأَنْ يُطْلِقَ اللِّسَانَ بِالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، وَيُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ، وَيَشْكُرَهُ عَلَى الِاسْتِفَادَةِ وَيَقُولَ: «مَا أَحْسَنَ مَا فَطِنْتَ لَهُ، وَقَدْ كُنْتُ غَافِلًا عَنْهُ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا كَمَا نَبَّهْتَنِي لَهُ» فَالْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَإِذَا وَجَدَهَا يَنْبَغِيَ أَنْ يَشْكُرَ مَنْ دَلَّهُ عَلَيْهَا.
فَإِذَا وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَةً صَارَ ذَلِكَ لَهُ طَبْعًا، وَسَقَطَ ثِقَلُ الْحَقِّ عَنْ قَلْبِهِ، وَطَابَ لَهُ قَبُولُهُ، وَمَهْمَا ثَقُلَ عَلَيْهِ الثَّنَاءُ عَلَى أَقْرَانِهِ بِمَا فِيهِمْ فَفِيهِ كِبْرٌ.
الِامْتِحَانُ الثَّانِي: أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَ الْأَقْرَانِ وَالْأَمْثَالِ فِي الْمَحَافِلِ وَيُقَدِّمَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَمْشِيَ خَلْفَهُمْ، وَيَجْلِسَ فِي الصُّدُورِ تَحْتَهُمْ، فَإِنْ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ. فَلْيُوَاظِبْ عَلَيْهِ تَكَلُّفًا حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُ ثِقَلُهُ، فَبِذَلِكَ يُزَايِلُهُ الْكِبْرُ.
وَهَاهُنَا لِلشَّيْطَانِ مَكِيدَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَجْلِسَ فِي صَفِّ النِّعَالِ أَوْ يَجْلِسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَقْرَانِ بَعْضُ الْأَرْذَالِ فَيَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ تَوَاضُعٌ، وَهُوَ عَيْنُ الْكِبْرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُخِفُّ عَلَى نُفُوسِ الْمُتَكَبِّرِينَ إِذْ يُوهِمُونَ أَنَّهُمْ تَرَكُوا مَكَانَهُمْ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالتَّفَضُّلِ فَيَكُونُ قَدْ تَكَبَّرَ بِإِظْهَارِ التَّوَاضُعِ أَيْضًا، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ أَقْرَانَهُ، وَيَجْلِسَ بِجَنْبِهِمْ، وَلَا يَنْحَطَّ عَنْهُمْ إِلَى صَفِّ النِّعَالِ، فَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُخْرِجُ خُبْثَ الْكِبْرِ مِنَ الْبَاطِنِ.
الِامْتِحَانُ الثَّالِثُ: أَنْ يُجِيبَ دَعْوَةَ الْفَقِيرِ، وَيَمُرَّ إِلَى السُّوقِ فِي حَاجَةِ الرُّفَقَاءِ وَالْأَقَارِبِ، فَإِنْ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَهُوَ كِبْرٌ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَالثَّوَابَ عَلَيْهَا جَزِيلٌ، فَنُفُورُ النَّفْسِ عَنْهَا لَيْسَ إِلَّا لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ، فَلْيَشْتَغِلْ بِإِزَالَتِهِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ مَعَ تَذَكُّرِ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمَعَارِفِ الَّتِي تُزِيلُ دَاءَ الْكِبْرِ.
الِامْتِحَانُ الرَّابِعُ: أَنْ يَحْمِلَ حَاجَةَ نَفْسِهِ وَحَاجَةَ أَهْلِهِ وَرُفَقَائِهِ مِنَ السُّوقِ إِلَى الْبَيْتِ، فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُهُ ذَلِكَ فَهُوَ كِبْرٌ أَوْ رِيَاءٌ.
وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَعِلَلِهِ الْمُهْلِكَةِ لَهُ إِنْ لَمْ تَتَدَارَكْ. وَقَدْ أَهْمَلَ النَّاسُ طِبَّ الْقُلُوبِ وَاشْتَغَلُوا بِطِبِّ الْأَجْسَادِ مَعَ أَنَّ الْأَجْسَادَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ لَا مَحَالَةَ، وَالْقُلُوبُ لَا تُدْرِكُ السَّعَادَةَ إِلَّا بِسَلَامَتِهَا إِذْ قَالَ تَعَالَى: (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشُّعَرَاءِ: 89] .

بَيَانُ غَايَةِ الرِّيَاضَةِ فِي خُلُقِ التَّوَاضُعِ:
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخُلُقَ كَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ لَهُ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ، فَطَرَفُهُ الَّذِي يَمِيلُ إِلَى الزِّيَادَةِ

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 252
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست