responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 239
أَحَدُهُمَا: قَلْعُ عُرُوقِهِ وَأُصُولِهِ الَّتِي مِنْهَا انْشِعَابُهُ.
وَالثَّانِي: دَفْعُ مَا يَخْطُرُ مِنْهُ فِي الْحَالِ:
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي قَلْعِ عُرُوقِهِ وَأُصُولِهِ:
وَأَصْلُهُ حُبُّ الْمَنْزِلَةِ وَالْجَاهِ، وَإِذَا فُصِّلَ رَجَعَ إِلَى ثَلَاثَةِ أُصُولٍ وَهِيَ: حُبُّ لَذَّةِ الْمَحْمَدَةِ، وَالْفِرَارُ مِنْ أَلَمِ الذَّمِّ، وَالطَّمَعُ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ الَّتِي تُحَرِّكُ الْمُرَائِيَ إِلَى الرِّيَاءِ. وَعِلَاجُهُ أَنْ يَعْلَمَ مَضَرَّةَ الرِّيَاءِ وَمَا يَفُوتُهُ مِنْ صَلَاحِ قَلْبِهِ، وَمَا يَحْرُمُ عَنْهُ فِي الْحَالِ مِنَ التَّوْفِيقِ وَفِي الْآخِرَةِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا يَتَعَرَّضُ لَهُ مِنَ الْعِقَابِ وَالْمَقْتِ الشَّدِيدِ وَالْخِزْيِ الظَّاهِرِ. فَمَهْمَا تَفَكَّرَ الْعَبْدُ فِي هَذَا الْخِزْيِ وَقَابَلَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْعِبَادِ وَالتَّزَيُّنِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِمَا يُفَوِّتُهُ فِي الْآخِرَةِ وَبِمَا يُحْبِطُ عَلَيْهِ مِنْ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّهُ يَسْهُلُ عَلَيْهِ قَطْعُ الرَّغْبَةِ عَنْهُ، كَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْعَسَلَ لَذِيذٌ وَلَكِنْ إِذَا بَانَ لَهُ أَنَّ فِيهِ سُمًّا أَعْرَضَ عَنْهُ. ثُمَّ أَيُّ غَرَضٍ لَهُ فِي مَدْحِهِمْ وَإِيثَارِ ذَمِّ اللَّهِ لِأَجْلِ حَمْدِهِمْ، وَلَا يَزِيدُهُ حَمْدُهُمْ رِزْقًا، وَلَا أَجَلًا، وَلَا يَنْفَعُهُ يَوْمَ فَقْرِهِ وَفَاقَتِهِ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
وَأَمَّا الطَّمَعُ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ فَبِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُسَخِّرُ لِلْقُلُوبِ بِالْمَنْعِ وَالْإِعْطَاءِ، وَأَنَّ الْخَلْقَ مُضْطَرُّونَ فِيهِ، وَلَا رَازِقَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَنْ طَمِعَ فِي الْخَلْقِ لَمْ يَخْلُ مِنَ الذُّلِّ وَالْخَيْبَةِ، وَإِنْ وَصَلَ إِلَى الْمُرَادِ لَمْ يَخْلُ عَنِ الْمِنَّةِ وَالْمَهَانَةِ، فَكَيْفَ يَتْرُكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِرَجَاءٍ كَاذِبٍ وَوَهْمٍ فَاسِدٍ، وَقَدْ يُصِيبُ وَقَدْ يُخْطِئُ، وَإِذَا أَصَابَ فَلَا تَفِي لَذَّتُهُ بِأَلَمِ مِنَّتِهِ وَمَذَلَّتِهِ، وَأَمَّا ذَمُّهُمْ فَلَمْ يَحْذَرْ مِنْهُ، وَلَا يَزِيدُهُ ذَمُّهُمْ شَيْئًا مَا لَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعَجِّلُ أَجَلَهُ، وَلَا يُؤَخِّرُ رِزْقَهُ، وَلَا يَجْعَلُهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَا يُبَغِّضُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ كَانَ مَحْمُودًا عِنْدَ اللَّهِ، فَالْعِبَادُ كُلُّهُمْ عَجَزَةٌ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا، وَلَا نَفْعًا، فَإِذَا قُرِّرَ فِي قَلْبِهِ آفَةُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ وَضَرَرُهَا فَتَرَتْ رَغْبَتُهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ قَلْبُهُ، وَالْعَاقِلُ لَا يَرْغَبُ فِيمَا يَكْثُرُ ضَرَرُهُ وَيَقِلُّ نَفْعُهُ، فَهَذَا مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْعِلْمِيَّةِ الْقَالِعَةِ مَغَارِسَ الرِّيَاءِ. وَأَمَّا الدَّوَاءُ الْعَمَلِيُّ فَهُوَ أَنْ يُعَوِّدَ نَفْسَهُ إِخْفَاءَ الْعِبَادَاتِ وَإِغْلَاقَ الْأَبْوَابِ دُونَهَا كَمَا تُغْلَقُ الْأَبْوَابُ دُونَ الْفَوَاحِشِ فَلَا تُنَازِعُهُ نَفْسُهُ إِلَى طَلَبِ عِلْمِ غَيْرِ اللَّهِ بِهِ.
الْمَقَامُ الثَّانِي فِي دَفْعِ الْعَارِضِ مِنْهُ أَثْنَاءَ الْعِبَادَةِ:
وَذَلِكَ لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ تَعَلُّمِهِ، فَإِنَّ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ بِقَلْعِ مَغَارِسِ الرِّيَاءِ وَقَطْعِ الطَّمَعِ وَاسْتِحْقَارِ مَدْحِ الْمَخْلُوقِينَ وَذَمِّهِمْ فَقَدْ لَا يَتْرُكُهُ الشَّيْطَانُ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ، بَلْ يُعَارِضُهُ بِخَطَرَاتِ الرِّيَاءِ، فَإِذَا خَطَرَ لَهُ مَعْرِفَةُ اطِّلَاعِ الْخَلْقِ دَفَعَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: مَا لَكَ وَلِلْخَلْقِ عَلِمُوا أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا وَاللَّهُ عَالِمٌ بِحَالِكَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي عِلْمِ غَيْرِهِ، فَإِنْ هَاجَتِ الرَّغْبَةُ إِلَى لَذَّةِ الْحَمْدِ ذَكَرَ مَا رَسَخَ فِي قَلْبِهِ مِنْ قَبْلُ مِنْ آفَةِ الرِّيَاءِ وَتَعَرُّضِهِ لِلْمَقْتِ الْإِلَهِيِّ وَخُسْرَانِهِ الْأُخْرَوِيِّ.

بَيَانُ الرُّخْصَةِ فِي قَصْدِ إِظْهَارِ الطَّاعَاتِ:
اعْلَمْ أَنَّ فِي إِسْرَارِ الْأَعْمَالِ فَائِدَةَ الْإِخْلَاصِ وَالنَّجَاةَ مِنَ الرِّيَاءِ، وَفِي الْإِظْهَارِ فَائِدَةَ الِاقْتِدَاءِ وَتَرْغِيبَ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَلَكِنْ فِيهِ آفَةُ الرِّيَاءِ، قَالَ «الحسن» : «إِنَّ السِّرَّ أَحْرَزُ الْعَمَلَيْنِ» .

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 239
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست