responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 226
غُلَامٌ أَسْوَدُ يَعْمَلُ فِيهِ إِذْ أَتَى الْغُلَامُ بِقُوتِهِ فَدَخَلَ الْحَائِطَ كَلْبٌ وَدَنَا مِنَ الْغُلَامِ فَرَمَى إِلَيْهِ الْغُلَامُ بِقُرْصٍ فَأَكَلَهُ، ثُمَّ رَمَى إِلَيْهِ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ فَأَكَلَهُ وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ كَمْ قُوتُكَ كُلَّ يَوْمٍ» ؟ قَالَ: «مَا رَأَيْتَ» ، قَالَ: «فَلِمَ آثَرْتَ بِهِ هَذَا الْكَلْبَ» ؟ قَالَ: «مَا هِيَ بِأَرْضِ كِلَابٍ إِنَّهُ جَاءَ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ جَائِعًا، فَكَرِهْتُ أَنْ أَشْبَعَ، وَهُوَ جَائِعٌ» ، قَالَ «فَمَا أَنْتَ صَانِعٌ الْيَوْمَ» ؟ قَالَ: «أَطْوِي يَوْمِي هَذَا» ، فَقَالَ «عبد الله بن جعفر» : «أُلَامُ عَلَى السَّخَاءِ إِنَّ هَذَا الْغُلَامَ لَأَسْخَى مِنِّي» فَاشْتَرَى الْحَائِطَ وَالْغُلَامَ وَمَا فِيهِ مِنَ الْآلَاتِ فَأَعْتَقَ الْغُلَامَ وَوَهَبَهُ مِنْهُ.
وَقَالَ «عمر» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أُهْدِيَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسُ شَاةٍ فَقَالَ:» إِنْ أَخِي كَانَ أَحْوَجَ مِنِّي إِلَيْهِ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَبْعَثُ بِهِ إِلَى آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَهُ سَبْعَةُ أَبْيَاتٍ وَرَجَعَ إِلَى الْأَوَّلِ «.
وَقَالَ» حذيفة العدوي «:» انْطَلَقْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ مِنْ أَيَّامِ فُتُوحِ الشَّامِ أَطْلُبُ ابْنَ عَمٍّ لِي وَمَعِي شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ وَأَنَا أَقُولُ: «إِنْ كَانَ بِهِ رَمَقٌ سَقَيْتُهُ وَمَسَحْتُ بِهِ وَجْهَهُ، فَإِذَا أَنَا بِهِ، فَقُلْتُ:» أَسْقِيكَ «؟ فَأَشَارَ إِلَيَّ: أَنْ نَعَمْ، فَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ:» آهْ «، فَأَشَارَ ابْنُ عَمِّي إِلَيَّ: انْطَلِقْ بِهِ إِلَيْهِ، قَالَ:» فَجِئْتُهُ، فَإِذَا هُوَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ «فَقُلْتُ:» أَسْقِيكَ «؟ فَسَمِعَ بِهِ آخَرُ فَقَالَ:» آهْ «فَأَشَارَ هشام: انْطَلِقْ بِهِ إِلَيْهِ فَجِئْتُهُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْتُ إِلَى هشام فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْتُ إِلَى ابْنِ عَمِّي فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ» .

بَيَانُ حَدِّ السَّخَاءِ وَالْبُخْلِ وَحَقِيقَتُهُمَا:
اعْلَمْ أَنَّ الْمَالَ خُلِقَ لِحِكْمَةٍ، وَهُوَ صَلَاحُهُ لِحَاجَاتِ الْخَلْقِ، فَيُمْكِنُ إِمْسَاكُهُ عَنْ صَرْفِهِ إِلَى مَا خُلِقَ الصَّرْفُ إِلَيْهِ، وَيُمْكِنُ بَذْلُهُ بِالصَّرْفِ إِلَى مَا لَا يَحْسُنُ الصَّرْفُ إِلَيْهِ، وَيُمْكِنُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ أَنْ يُحْفَظَ حَيْثُ يَجِبُ الْحِفْظُ، وَيُبْذَلَ حَيْثُ يَجِبُ الْبَذْلُ، فَالْإِمْسَاكُ حَيْثُ يَجِبُ الْبَذْلُ بُخْلٌ، وَالْبَذْلُ حَيْثُ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ تَبْذِيرٌ، وَبَيْنَهَا وَسَطٌ هُوَ الْمَحْمُودُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ السَّخَاءُ وَالْجُودُ عِبَارَةً عَنْهُ، إِذْ لَمْ يُؤْمَرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِالسَّخَاءِ، وَقَدْ قِيلَ: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ) [الْإِسْرَاءِ: 29] وَقَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الْفُرْقَانِ: 67] .
فَالْجُودُ وَسَطٌ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالْإِقْتَارِ، وَبَيْنَ الْبَسْطِ وَالْقَبْضِ، وَهُوَ أَنْ يُقَدَّرَ بَذْلُهُ وَإِمْسَاكُهُ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ طَيِّبًا بِهِ غَيْرَ مُنَازِعٍ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ إِنَّ الْوَاجِبَ بَذْلُهُ قِسْمَانِ: وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ، وَوَاجِبٌ بِالْمُرُوءَةِ وَالْعَادَةِ.
وَالسَّخِيُّ هُوَ الَّذِي لَا يَمْنَعُ وَاجِبَ الشَّرْعِ، وَلَا وَاجِبَ الْمُرُوءَةِ، فَإِنْ مَنَعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَهُوَ بَخِيلٌ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَمْنَعُ وَاجِبَ الشَّرْعِ أَبْخَلُ، كَالَّذِي يَمْنَعُ أَدَاءَ الزَّكَاةِ، وَيَمْنَعُ عِيَالَهُ وَأَهْلَهُ النَّفَقَةَ أَوْ

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 226
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست