responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 221
الْأَسْخِيَاءِ، فَلَا يُوصَفُ بِالْجُودِ إِلَّا مَنْ يَصْطَنِعُ الْمَعْرُوفَ، وَيَسْلُكُ سَبِيلَ الْمُرُوءَةِ وَالْفُتُوَّةَ، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَعْظُمُ الثَّوَابُ فِيهِ، فَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ فِي الْهَدَايَا، وَالضِّيَافَاتِ، وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ، مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ فِي مَصَارِفِهَا.
وَأَمَّا وِقَايَةُ الْعِرْضِ: فَنَعْنِي بِهِ بَذْلَ الْمَالِ لِدَفْعِ هَجْوِ الشُّعَرَاءِ، وَثَلْبِ السُّفَهَاءِ وَدَفْعِ شَرِّهِمْ، وَهُوَ أَيْضًا - مَعَ تَنَجُّزِ فَائِدَتِهِ فِي الْعَاجِلَةِ - مِنَ الْحُظُوظِ الدِّينِيَّةِ، فَفِي الْحَدِيثِ: «مَا وَقَى بِهِ الْمَرْءُ عِرْضَهُ كُتِبَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ» وَكَيْفَ لَا وَفِيهِ مَنْعُ الْمُغْتَابِ عَنْ مَعْصِيَةِ الْغِيبَةِ، وَاحْتِرَازٌ عَمَّا يَثُورُ مِنْ كَلَامِهِ مِنَ الْعَدَاوَةِ الَّتِي تَحْمِلُ فِي الْمُكَافَأَةِ وَالِانْتِقَامِ عَلَى مُجَاوَزَةِ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ.
وَأَمَّا الِاسْتِخْدَامُ: فَهُوَ أَنَّ الْأَعْمَالَ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْإِنْسَانُ كَثِيرَةٌ، وَلَوْ تَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ ضَاعَتْ أَوْقَاتُهُ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا لَا يَصْرِفُهُ إِلَى إِنْسَانٍ مُعَيَّنٍ، وَلَكِنْ يَحْصُلُ بِهِ خَيْرٌ عَامٌّ؛ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَالْقَنَاطِرِ، وَالرِّبَاطَاتِ، وَدُورِ الْمَرْضَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَوْقَافِ الْمُرْصَدَةِ لِلْخَيْرَاتِ، وَهِيَ مِنَ الْخَيْرَاتِ الْمُؤَبَّدَةِ الدَّارَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، الْمُسْتَجْلِبَةِ بَرَكَةَ أَدْعِيَةِ الصَّالِحِينَ، وَنَاهِيكَ بِهَا خَيْرًا، فَهَذِهِ جُمْلَةُ فَوَائِدِ الْمَالِ فِي الدِّينِ.
وَأَمَّا الْآفَاتُ: فَدِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ، وَأَمَّا الدِّينِيَّةُ فَثَلَاثٌ:
الْأُولَى: أَنْ تَجُرَّ إِلَى الْمَعَاصِي، فَإِنَّ الْمَالَ يُحَرِّكُ دَاعِيَةَ الْمَعَاصِي وَارْتِكَابِ الْفُجُورِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَجُرَّ إِلَى التَّنَعُّمِ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَالتَّمَرُّنِ عَلَيْهِ، حَتَّى يَصِيرَ مَأْلُوفًا عِنْدَهُ وَمَحْبُوبًا لَا يَصْبِرُ عَنْهُ، وَإِذَا اشْتَدَّ أُنْسُهُ بِهِ رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّوَصُّلِ إِلَيْهِ بِالْكَسْبِ الْحَلَالِ، فَيَقْتَحِمُ الشُّبَهَاتِ، وَيَخُوضُ فِي الْكَذِبِ وَالنِّفَاقِ، وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ؛ لِيَنْتَظِمَ لَهُ أَمْرُ دُنْيَاهُ، وَيَتَيَسَّرَ لَهُ تَنَعُّمُهُ، وَذَلِكَ مِنْ شُؤْمِ الْمَالِ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ يُلْهِيهِ إِصْلَاحُ مَالِهِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ مَا شَغَلَ الْعَبْدَ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ خُسْرَانٌ.
وَأَمَّا الْآفَاتُ الدُّنْيَوِيَّةُ فَكَثِيرَةٌ؛ كَالْخَوْفِ، وَالْحُزْنِ، وَالْغَمِّ، وَالْهَمِّ، وَالتَّعَبِ فِي دَفْعِ الْحِسَابِ، وَتَجَشُّمِ الْمَصَاعِبِ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَكَسْبِهِ، وَالْفِكْرِ فِي خُصُومَةِ الشُّرَكَاءِ وَمُنَازَعَتِهِمْ.
وَأَدْوِيَةُ أَفْكَارِ الدُّنْيَا لَا نِهَايَةَ لَهَا. فَإِنَّ تِرْيَاقَ الْمَالِ أَخْذُهُ مِنْ حِلِّهِ، وَصَرْفُهُ فِي الْخَيْرَاتِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ سُمُومٌ وَآفَاتٌ. نَسْأَلُهُ تَعَالَى السَّلَامَ وَالْعَوْنَ بِلُطْفِهِ وَكَرَمِهِ.

بَيَانُ ذَمِّ الْحِرْصِ وَالطَّمَعِ وَمَدْحِ الْقَنَاعَةِ وَالِاقْتِصَادِ:
يَنْبَغِي لِلْفَقِيرِ أَنْ يَكُونَ قَانِعًا مُنْقَطِعَ الطَّمَعِ عَنِ الْخَلْقِ، غَيْرَ مُتَلَفِّتٍ إِلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَا حَرِيصًا عَلَى اكْتِسَابِ الْمَالِ كَيْفَ كَانَ؛ لِئَلَّا يَتَدَنَّسَ بِذُلِّ الْحِرْصِ، فَيَجُرُّهُ إِلَى مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ وَارْتِكَابِ الْمُنْكَرَاتِ، وَقَدْ جُبِلَ الْآدَمِيُّ عَلَى الْحِرْصِ وَالطَّمَعِ وَقِلَّةِ الْقَنَاعَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 221
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست