responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 217
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ: كُلُّ حَظٍّ عَاجِلٍ مُعِينٍ عَلَى أَعْمَالِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَتَأَتَّى لِلْإِنْسَانِ الْبَقَاءُ وَالصِّحَّةُ الَّتِي بِهَا يَصِلُ إِلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الدُّنْيَا كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُعِينٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَوَسِيلَةٌ إِلَيْهِ، فَمَهْمَا تَنَاوَلَهُ الْعَبْدُ عَلَى قَصْدِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ لَمْ يَكُنْ بِهِ مُتَنَاوِلًا لِلدُّنْيَا، وَلَمْ يَصِرْ بِهِ مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَتِ الدُّنْيَا فِي حَقِّهِ مَزْرَعَةً لِلْآخِرَةِ، وَإِنْ أَخَذَ ذَلِكَ بِقَصْدِ حَظِّ النَّفْسِ فَهُوَ مِنَ الدُّنْيَا. فَإِذَنِ الدُّنْيَا: حَظُّ نَفْسِكَ الْعَاجِلُ الَّذِي لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ لِأَمْرِ الْآخِرَةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْهَوَى، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النَّازِعَاتِ: 40، 41] وَمَجَامِعُ الْهَوَى خَمْسَةُ أُمُورٍ، وَهِيَ مَا جَمَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: (أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) [الْحَدِيدِ: 20] .
وَالْأَعْيَانُ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْهَا هَذِهِ الْخَمْسَةُ سَبْعَةٌ، يَجْمَعُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [آلِ عِمْرَانَ: 14] وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ مَا لَيْسَ لِلَّهِ فَهُوَ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا هُوَ لِلَّهِ فَذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الدُّنْيَا.

بَيَانُ حَقِيقَةِ الدُّنْيَا فِي نَفْسِهَا
اعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا عِبَارَةٌ عَنْ أَعْيَانٍ مَوْجُودَةٍ لِلْإِنْسَانِ فِيهَا حَظٌّ وَلَهُ فِي إِصْلَاحِهَا شُغْلٌ، وَإِنَّمَا الْأَعْيَانُ الْمَوْجُودَةُ الَّتِي لَدَيْنَا عِبَارَةٌ عَنْهَا، فَهِيَ الْأَرْضُ وَمَا عَلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الْكَهْفِ: 7] فَالْأَرْضُ فِرَاشٌ لِلْآدَمِيِّينَ وَمِهَادٌ وَمَسْكَنٌ وَمُسْتَقَرٌّ، وَمَا عَلَيْهَا لَهُمْ مَلْبَسٌ وَمَطْعَمٌ وَمَشْرَبٌ وَمَنْكَحٌ، وَيَجْمَعُ مَا عَلَى الْأَرْضِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْمَعَادِنُ وَالنَّبَاتُ وَالْحَيَوَانُ.
أَمَّا النَّبَاتُ: فَيَطْلُبُهُ الْآدَمِيُّ لِلِاقْتِيَاتِ وَالتَّدَاوِي.
وَأَمَّا الْمَعَادِنُ: فَيَطْلُبُهَا لِلْآلَاتِ وَالْأَوَانِي، كَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ، وَلِلنَّقْدِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ.
وَأَمَّا الْحَيَوَانُ: فَيَنْقَسِمُ إِلَى الْإِنْسَانِ وَالْبَهَائِمِ، أَمَّا الْبَهَائِمُ فَيَطْلُبُ مِنْهَا لُحُومَهَا لِلْمَآكِلِ، وَظُهُورَهَا لِلْمَرْكَبِ وَالزِّينَةِ، وَأَمَّا الْإِنْسَانُ فَقَدْ يَطْلُبُ الْآدَمِيَّ لِيُسْتَخْدَمَ كَالْغِلْمَانِ، أَوْ لِيَتَمَتَّعَ بِهِ كَالْجَوَارِي وَالنِّسْوَانِ، وَيَطْلُبُ قُلُوبَ النَّاسِ لِيَمْلِكَهَا بِأَنْ يَغْرِسَ فِيهَا التَّعْظِيمَ وَالْإِكْرَامَ، وَهُوَ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْجَاهِ، إِذْ مَعْنَى الْجَاهِ مِلْكُ قُلُوبِ الْآدَمِيِّينَ، فَهَذِهِ هِيَ الْأَعْيَانُ الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالدُّنْيَا، وَقَدْ جَمَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ) وَهَذَا مِنَ الْإِنْسِ، (وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَهَذَا مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالْمَعَادِنِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ اللَّآلِئِ وَالْيَوَاقِيتِ وَغَيْرِهَا، (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ) وَهِيَ الْبَهَائِمُ وَالْحَيَوَانُ، (وَالْحَرْثِ) وَهُوَ النَّبَاتُ وَالزَّرْعُ، فَهَذِهِ هِيَ أَعْيَانُ الدُّنْيَا، إِلَّا أَنَّ لَهَا مَعَ الْعَبْدِ

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 217
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست