responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 216
كِتَابُ ذَمِّ الدُّنْيَا
الْآيَاتُ الْوَارِدَةُ فِي ذَمِّ الدُّنْيَا وَأَمْثِلَتِهَا كَثِيرَةٌ، وَأَكْثَرُ الْقُرْآنِ مُشْتَمِلٌ عَلَى ذَمِّ الدُّنْيَا، وَصَرْفِ الْخَلْقِ عَنْهَا، وَعَوْدَتِهِمْ إِلَى الْآخِرَةِ، بَلْ هُوَ مَقْصُودُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَمْ يُبْعَثُوا إِلَّا لِذَلِكَ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الِاسْتِشْهَادِ بِآيَاتِ الْقُرْآنِ؛ لِظُهُورِهَا، وَإِنَّمَا نُورِدُ بَعْضَ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا:
فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى شَاةٍ مَيِّتَةٍ، فَقَالَ: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ الشَّاةَ هَيِّنَةً عَلَى أَهْلِهَا؟» قَالُوا: «مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا» ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ عَلَى أَهْلِهَا، وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ» ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ» ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ» .

بَيَانُ الدُّنْيَا الْمَذْمُومَةِ:
اعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ ذَمِّ الدُّنْيَا لَا تَكْفِيكَ مَا لَمْ تَعْرِفِ الدُّنْيَا الْمَذْمُومَةَ مَا هِيَ، وَمَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ مِنْهَا وَمَا الَّذِي لَا يُجْتَنَبُ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ نُبَيِّنَ الدُّنْيَا الْمَذْمُومَةَ الْمَأْمُورَ بِاجْتِنَابِهَا - لِكَوْنِهَا عَدُوَّةً قَاطِعَةً لِطَرِيقِ اللَّهِ - مَا هِيَ، فَنَقُولُ:
دُنْيَاكَ وَآخِرَتُكَ عِبَارَةٌ عَنْ حَالَتَيْنِ مِنْ أَحْوَالِ قَلْبِكَ، فَالْقَرِيبُ الدَّانِي يُسَمَّى دُنْيَا، وَهُوَ كُلُّ مَا قَبْلَ الْمَوْتِ، وَالْمُتَرَاخِي الْمُتَأَخِّرُ يُسَمَّى آخِرَةً، وَهُوَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكُلُّ مَا لَكَ فِيهِ حَظٌّ وَنَصِيبٌ، وَغَرَضٌ، وَشَهْوَةٌ، وَلَذَّةٌ - عَاجِلُ الْحَالِ قَبْلَ الْوَفَاةِ، فَهِيَ الدُّنْيَا فِي حَقِّكَ، إِلَّا أَنَّ جَمِيعَ مَا لَكَ إِلَيْهِ مَيْلٌ وَفِيهِ نَصِيبٌ وَحَظٌّ فَلَيْسَ بِمَذْمُومٍ، بَلْ هُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَا يَصْحَبُكَ فِي الْآخِرَةِ وَيَبْقَى مَعَكَ ثَمَرَتُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ الْعِلْمُ النَّافِعُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمُقَابِلُ لَهُ عَلَى الطَّرَفِ الْأَقْصَى: كُلُّ مَا فِيهِ حَظٌّ عَاجِلٌ وَلَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ أَصْلًا، كَالتَّلَذُّذِ بِالْمَعَاصِي كُلِّهَا، وَالتَّنَعُّمِ بِالْمُبَاحَاتِ الزَّائِدَةِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَاتِ، وَالضَّرُورَاتِ الدَّاخِلَةِ فِي جُمْلَةِ الرَّفَاهِيَةِ وَالرُّعُونَاتِ - أَيْ فِي السَّرَفِ - فَحَظُّ الْعَبْدِ مِنْ هَذَا كُلِّهِ هِيَ الدُّنْيَا الْمَذْمُومَةُ.

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 216
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست